بعد أشهر من الاستقرار عقب دخول حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى طرابلس، شهدت العاصمة خلال الفترة الأخيرة تجددا للصراعات المسلحة وتبادل إطلاق النار بين التنظيمات المسلحة وتسجيل حالات اختطاف وإغلاق الطرق بطرابلس، والتي تتخذها حكومة الوفاق المدعومة أمميا مقرا لها منذ مارس الماضي لتطفو على السطح مجددا صراعات المصالح الشخصية على المصالح الوطنية. وفيما انتشر في المدينة عدد من التنظيمات المسلحة لبسط سيطرتها وأيضا الأجهزة الأمنية بحجة الحفاظ على الاستقرار الذي وعدت به الحكومة المتمركزة في العاصمة، إلا أن تقارير أكدت أن هذا الاستقرار لا يعدو إلا كلاما يترجمه صراع النفوذ والسلطة بين الكتائب المتمركزة في المنطقة نتيجة لضعف الدولة وانهيار مؤسساتها. وحسب التقارير فإن التنظيمات المتمركزة في العاصمة تنقسم بين مؤيد لحكومة الوفاق وأخرى معارضة، ذلك أن كتيبة ثوار طرابلس بقيادة هيثم التاجوري أعلنت دعمها لها وكذلك كتيبة النواصي وقوة الردع بقيادة عبدالرؤوف كارة، وفي المقابل أعلنت التنظيمات التابعة للمفتي الصادق الغرياني وزعيم جماعة ليبيا المقاتلة عبدالحكيم بلحاج وقوفها ضد المجلس الرئاسي الذي رفضه مجلس النواب في جلسته الأخيرة بطبرق. اشتباكات مسلحة وشهدت طرابلس الأسبوع المنقضي اشتباكات بين مسلحين يتبعون كتيبة "ثوار طرابلس" بقيادة هيثم التاجوري "وهي من أقوى التشكيلات المسلحة في العاصمة وتضم أكثر من 9 مجموعات مسلحة منتشرة في أكثر من حي بطرابلس وأفراد جهاز ينتمون إلى مدينة مصراتة، انتهت بسيطرة الثوار على مقر جهاز المخابرات العامة. وأدرج التقرير الدولي لخبراء الأممالمتحدة هيثم التاجوري ضمن مجموعة أشخاص اتهمهم بالتورط في عمليات انتهاك وابتزاز سياسي، من خلال إنشاء مركز احتجاز خاص في تاجوراء حيث احتجز فيه مسؤولين من النظام السابق. كما سيطرت كتيبة ثوار طرابلس خلال الفترة الأخيرة على عدة مرافق حكومية بالعاصمة طرابلس، من بينها مقرا وزارتي الصحة والاتصالات، كما تتمركز الكتيبة في عدة معسكرات بمناطق الفرجان وعين زارة وبئر الأسطى ميلاد وقاعدة معيتيقة الجوية. ويرى مراقبون للشأن الليبي أن إعادة التوتر في ليبيا يخدم مصالح تنظيمات مسلحة تسعى إلى نشر البلبلة في العاصمة ومنها التشويش على عمل حكومة الوفاق المتمركزة هناك، بالإضافة إلى أن ما تقوم به الحكومة الجديدة من اتفاق مع بعض الجماعات المسلحة لحمايتها لا يعد إلا حلولا مؤقتة لا تحقق الأمن الكامل بالعاصمة. صراع سياسي رغم أن الاتفاق السياسي الليبي الذي تم في الصخيرات المغربية نص على ضرورة انسحاب الميليشيات من العاصمة طرابلس وتسليم سلاحها، إلا أن الأمر لم يطبق، وفي هذا الإطار يخشى المحللون من أن يؤدي عدم تطبيق هذه البنود والانشغال في الأزمة السياسية إلى انتشار عناصر تنظيم داعش بعد هزيمتهم في سرت. وينتقد مراقبون ما آلت إليه الأوضاع في طرابلس لتساهل المجلس الرئاسي ولجنة الترتيبات المنبثقة عنه مع الجماعات المسلحة وعدم تطبيق ما جاء في بنود الاتفاق السياسي بسحب السلاح، مؤكدين أن السراج لم يستطع التحكم في هذه الميليشيات بل يسعى إلى إدماجها في صلب مؤسستي الجيش والشرطة. ويرى مؤيدون للمجلس الرئاسي أن هذا القرار خطوة إيجابية وتعد جزءا من الحل للحد من نفوذ هذه الجماعات والانضواء تحت قيادة المجلس الرئاسي، ويرى في المقابل المعارضون لهذا القرار أن إدماج الجماعات في الجيش والشرطة لن يكون حلا جذريا. إلى ذلك، أعلن البرلمان الليبي المتمركز في طبرق شرق ليبيا رفضه لحكومة الوفاق المقترحة من المجلس الرئاسي للمرة الثالثة على التوالي، الأمر الذي يستوجب حسب لوائح اتفاق الصخيرات حل المجلس الرئاسي، لكن البرلمان أعطى المجلس فرصة أخيرة لتشكيل حكومة مصغرة.