مما لا شك فيه أن معظم شرائح المجتمع تخضع في تكوينها للمرحلة البدائية في تكوين الوعي تجاه الظواهر الطبيعية والأحداث المعاشة، ومما لا شك فيه أيضا أن المجتمعات العربية هي أكثر المجتمعات التي ما زالت تحتفظ بهذا الوعي البدائي الذي يلجأ إلى الخرافة في معالجة مشاكله النفسية، أو مواجهة الحوادث التي يتعرض لها. وما يحزن أنه الآن، ومع التقدم العلمي واكتشاف أسباب كثير من تلك الظواهر، إلا أن الإعلام أصبح يمارس دورا خطيرا في تعميق هذا الوعي البدائي، ويجعل منه قوة مسيطرة على الإنسان، فنحن نشاهد خلال مسلسلات أو أفلام تُعرض على المشاهدين، تلك الحكايات البدائية التي تصور الأرواح أو الجن أو العين و.. و.. و، غيرها من المواضيع التي تؤثر على نفسية الإنسان سلبا، وتسلبه إرادته الداخلية، وقوته التي تتحكم في الأمور، لتجعله تابعا لقوى خفية تسيطر عليه نفسيا، يخلقها في وعيه البدائي، أو نجد بعض القنوات الفضائية التي تعرض إعلانات عن دعاة يمتلكون قوى خارقة في تخليص الناس من أمراضهم النفسية، أو غيرها من تلك الأمراض التي نسمع بها، ونحن نعلم أن وراء استغلال الإعلام لهذه الظاهرة أسباب عدة، أهمها التكسب المادي. ويبلغ التزوير مداه حين يمارس هذا الإعلام مصطلحات علمية للترويج، وعندما يؤكد ناشرو هذه المعلومات أنه أمكنهم تصوير هذه الظواهر بالأجهزة العلمية الحديثة، كالهالات النورانية التي تظهر على رؤوس القدسيين وذوي الكرامات، وتؤكد على وجود الأرواح، وغيرها من خزعبلات. والمشاهد العربي لا يعي مقدار خطر مثل هذه البرامج أو الإعلانات، خاصة عندما يراها الأطفال، فهي تستولي على عقولهم وتسيطر على سلوكهم طوال حياتهم، مما يخلق لهم أزمات نفسية، قد لا يلمسوها بصورة سريعة، إلا خلال ضعف تعاملهم مع مشاكلهم ومواجهتها في الحياة. للإعلام دور خطير في تكريس الخرافة وتضليل العقل، وقتل الروح الإنسانية التي تمتلك طاقات عظيمة للإبداع والاكتشاف، العقل الذي استطاع أن يصل إلى الفضاء، ويتعامل مع ظواهر الكون، ويجد التفسيرات، ويضع القوانين لكل ما يراه. ويبقى أن نقول، إن العقل البشري لا يعجز مهما كان بسيطا عن إيجاد التفسير العلمي لما يواجهه من أحداث، وما يمنعنا من التفكير العلمي المنطقي إلا الكسل والعجز في التأمل والبحث والاكتشاف، والرؤية المعمقة لخلفيات الدور الإعلامي الذي يمارس ضدنا. ما علينا إلا أن ننشر الوعي الحقيقي بين المجتمعات، حتى نستطيع أن نبني إنسانا سليما خاليا من الأمراض النفسية والعقد التي تعوق تقدمه وتطوره.