ما زلت كعادتي أستمتع بمتابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية -بشكل خاص- وذلك لما تحويه من اهتمام بالمناظرات واستخدام الإقناع كوسيلة لكسب رأي القريب قبل البعيد في مجتمع لا يؤمن غالبا إلا بالإقناع والاقتناع.. وكعادة المتناظرين الأميركان فإن حملة الهمس whispering campaign تأتي غالبا كمرحلة متأخرة في حملة الترشح للرئاسة، وتقوم على فلسفة الإشاعة والدجل غالبا! في حملة الهمس يقوم كل مرشح بإثارة إشاعة ضد منافسه في محاولة لإسقاط شعبيته أمام مؤيده، وأمام المجتمع بشكل عام فينبري الآخر بدوره لتفنيد بطلان الادعاء -إن كان ملهما- أو يجابه الإشاعة بأخرى مضادة counter rumors، فإن لم يفعل فليس أمام المدعى عليه سوى أن يودع الميدان، خصوصا حين يرتكب حماقة جديدة تزيد من تهاوي أسهمه أمام العامة والخاصة على حد سواء.. والحقيقة الملفتة ونحن في ميدان الهمس أن بعضا من التجار المحليين يوغل في استخدام فلسفة (حملة الهمس) دون أن يعلم، وذلك للنيل من المنافسين في مشهد لا يروق لي شخصيا، لا سيما حين يخلو تصرفه من ملامسة العقل وإحضار الحجة وبرهنة الادعاء.. بالأمس القريب كنت أناقش أحد الباعة عن سبب غلاء قطعة كهربائية لديه مقارنة بمثيلاتها في المحلات المجاورة أو البعيدة.. فأجاب: بضاعتنا غير! قلت: غير من أي ناحية؟ قال: الجماعة دولي بيجيبوا بضاعة مقلدة!! يا ساتر! مقلدة! طيب كيف مقلدة؟ قال القطعة اللي عندهم مكتوب عليها في لزقة: Made in Germany. قلت: ماشي! طيب واللي عندك؟ قال: لا اللي عندي محفور على القطعة إنها ألماني.. قلت: ممكن أشوفها؟ ناولني الطيب القطعة فوجدت بالفعل أن القطعة حفر عليها: Germany mode، طبعا الفرق واضح بين كلمة made وكلمة mode، فالأولى تعني صنع في ألمانيا والأخرى تعني نمطا ألمانيا، ولكن أبقيت كلمة Germany وهي غير صحيحة لغويا في محاولة تدليس على المشتري بأن القطعة ألمانية المنشأ والتجميع. قلت للرجل الطيب: أنت عارف إش مكتوب؟ قال: آه صناعة ألمانية، ودي مش مكتوبة محفورة!! ما زال صاحبنا منشغلا بحفر ولصق!! قلت: عموما هذه قطعة مقلدة وشرحت له ما بقي من التفاصيل!! الحكاية بعيداً عن مسائل الغش التجاري الذي يعد جزءا أصيلا في الواقعة أعلاه يتعدى إلى مسألة المجادلة غير المشرعنة والتعنت الفكري غير المبرهن والمحاصصة والمخاصمة المزعجتين حين تكون الأمور واضحة والأدلة قائمة، وهو الأمر الذي يزعجني بشكل كبير ويذكرني على الدوام بعبارة كان يكررها أحد أساتذتنا لأحد زملائنا في إنجلترا حين يستميت الزميل في إيراد حجج غير مقبولة، فيقول له أستاذنا: Don't defend undefendable، أي لا تدافع عما لا يدافع عنه! اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه.. والسلام.