كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى القريب من دوائر صنع القرار في الإدارة الأميركية، أن طهران كثفت تدخلاتها السالبة منذ توقيع الاتفاق النووي، الذي يصادف الغد مرور عام عليه، ودعا واشنطن إلى تنفيذ تعهداتها بمعاقبة النظام الإيراني إذا استمر في انتهاك القانون الدولي. مخالفات إيران تصدير الإرهاب للعالم تأجيج الفوضى بالشرق الأوسط استغلال الأقليات ضد حكوماتهم تمويل الجماعات المتطرفة التورط في غسل الأموال تصادف غدا الذكرى الأولى لتوقيع الاتفاق النووي بين مجموعة "5+1" والنظام الإيراني، ورغم مرور عام كامل على توقيع الاتفاق، لا زالت طهران تمارس أدوارها السالبة بالتدخل في شؤون دول الشرق الأوسط، بل تزايدت تلك الأدوار لتشمل المزيد من دول المنطقة. ونشر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى دراسة أعدها مدير برنامج "ستاين" للاستخبارات ومكافحة الإرهاب في المعهد، ماثيو ليفيت، قال فيها إن العقوبات المتعلقة بالإرهاب ضد إيران ظلت سارية المفعول، رغم تطبيق "خطة العمل المشتركة الشاملة" للبرنامج النووي الإيراني، حيث وعد مسؤولون أميركيون بمحاسبة طهران تجاه أي نشاط من هذا القبيل على الرغم من رفع العقوبات النووية. وقد عبّر عن ذلك وزير الخارجية الأميركي جون كيري في 21 يناير الماضي، بقوله "إذا اكتشفنا قيامهم بتمويل الإرهاب، سيواجهون مشكلات مع الكونجرس الأميركي وأشخاص آخرين كما هو واضح". وحتى الآن لم يتراجع سلوك إيران السالب وتهديداتها منذ توقيع الاتفاق قبل عام. في فبراير الماضي قدّم مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر شهادة قال فيها "تستمر إيران كأكبر دولة راعية للإرهاب، في ممارسة نفوذها في الأزمات الإقليمية ضمن منطقة الشرق الأوسط من خلال "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني، وشريكه الإرهابي اللبناني "حزب الله" والجماعات الوكيلة. وتبقى إيران وحزب الله التهديد الإرهابي المستمر لمصالح الولاياتالمتحدة والشركاء في جميع أنحاء العالم". وبعد شهر قدّم قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال جوزيف فوتل شهادة مفادها أن إيران أصبحت "أكثر عدوانية منذ توقيع الاتفاق النووي". رعاية الإرهاب في الشام أيدت إيران بشكل مستمر المنظمات الفلسطينية المُدرجة من قبل الولاياتالمتحدة على أنها منظمات إرهابية، ومن بينها حركة الجهاد الإسلامي وحماس. وفي أغسطس 2015، وبعد أن سقطت أربعة صواريخ على مرتفعات الجولان الإسرائيلية والجليل الأعلى، نسب الهجوم إلى جهد مشترك بين حركة الجهاد الإسلامي وفيلق القدس. وتأكدت تلك الآراء مع مقتل الجنرال في الحرس الثوري محمد علي الأهدادي، إثر هجوم إسرائيلي مضاد تجاه الخلية التي أطلقت الطلقة الأولى.
أموال مشبوهة في سبتمبر من العام الماضي أدرجت وزارة الخزانة الأميركية على القائمة السوداء ماهر جواد صلاح وهو مواطن بريطاني - أردني مزدوج الجنسية كان يرأس "اللجنة المالية لحماس". وكان قد أشرف بهذه الصفة على نقل عشرات الملايين من الدولارات من إيران إلى اللجنة. وقد اُستُخدمت هذه الأموال لتمويل نشاط حماس في غزة، بما في ذلك "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري للحركة. وعلى الرغم من الجدال بين إيران وحماس تجاه رفض الأخيرة دعم نظام الأسد في سورية، عادت علاقتهما المنهارة هذا العام إلى ما كانت عليه سابقا. وجاء في تقرير صادر عن "خدمة أبحاث الكونجرس" في نوفمبر 2015، "تسعى إيران على ما يبدو، لإعادة بناء علاقتها مع حماس، من خلال إمدادها بتكنولوجيا الصواريخ الخاصة بها، لبناء صواريخها، ومساعدتها على إعادة بناء الأنفاق التي دُمرت في النزاع مع إسرائيل عام 2014". وفي مؤتمر صحفي عُقد العام الماضي، أكد متحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية أن دعم المقاومة ضد إسرائيل - المتمثل في جزء منه بتمويل حركة حماس - هو "سياسة مبدئية".
إثارة الفوضى في البحرين سمّى تقرير "حالات الإرهاب القطرية" لعام 2015 الصادر عن الخارجية الأميركية، إيران راعيا رئيسيا للإرهاب، حيث كشف أن طهران قدمت أسلحة وتمويلا وتدريبا للمسلحين الشيعة في البحرين، وأن المنامة دهمت وصادرت واكتشفت مخابئ أسلحة وعمليات نقل أسلحة ومسلحين ترعاها إيران، خلال ذلك العام. وفي نوفمبر اعتقلت السلطات البحرينية 47 شخصا لانخراطهم في منظمة إرهابية متصلة بالحرس الثوري. وفي يناير المنصرم اعتقلت السلطات ستة أشخاص لتورطهم في خلية إرهابية مع ادعاءات باتصالها بإيران وحزب الله. واتُهمت الخلية بتدبير انفجار يوليو 2015 الذي أسفر عن مقتل شخصين خارج مدرسة للبنات في سترة. وخلال الشهر الماضي بعد أن قررت المنامة سحب جنسية مواطنها عيسى قاسم، أطلق قائد فيلق القدس قاسم سليماني تهديدات علنية بحق البحرين، توعد فيها بأحداث ضخمة تحرق المنطقة، مشيرا إلى أن قاسم "خطا أحمر". وعلى ذات النسق سار حزب الله الذي قام بتحريض البحرينيين ضد دولتهم، ودعا إلى الثورة على النظام. عمالة متعددة الجنسيات في العام الماضي وبعد أقل من أسبوع من توقيع "خطة العمل المشتركة الشاملة" للبرنامج النووي الإيراني، اعتقل مسؤولون إسرائيليون في مطار بن غوريون السويدي من أصل لبناني حسن خليل هزران، أثناء محاولته جمع معلومات استخبارية عن أهداف إسرائيلية بالإنابة عن حزب الله. وقبل أيام قليلة من التوقيع اعترف موقوف آخر يحمل الجنسية الكندية بعلاقته مع الحزب، قائلا "إنه كلِّف بمهاجمة أهداف إسرائيلية". وتم سجنه في قبرص بعد أن صادرت السلطات من منزله هناك تسعة أطنان من مركب كيميائي يُستخدم في صنع القنابل.
استغلال الأقليات واصلت إيران أيضا دعم الإرهابيين في الكويت. ففي أغسطس 2015 دهمت السلطات المحلية خلية إرهابية مؤلفة من 26 شخصا من الكويتيين، متهمة إياهم بحيازة كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر والمتفجرات. وبعد أن ذكرت وسائل الإعلام ادعاءات حول ارتباط الخلية بإيران وحزب الله، أصدر المدعي العام أمرا بحظر النشر حول التحقيق. وفي يناير حكمت محكمة محلية على رجلين، أحدهما كويتي والآخر إيراني، بالإعدام بتهمة التجسس لصالح إيران وحزب الله. واستمرت علاقة طهران العدائية مع المملكة العربية السعودية أيضا هذا العام، بشكل رئيسي عبر الحرب بالوكالة، ولكن أيضا من خلال أنشطة مزعومة ضد أهداف سعودية. وفي فبراير أكدت الحكومة اليمنية أن لديها أدلة على أن حزب الله يدرب المتمردين الحوثيين ويقاتل إلى جانبهم في هجمات على الحدود السعودية. ووفقا لتقرير آخر من الشهر نفسه، أعلنت السلطات الفلبينية إحباط مؤامرة للحرس الثوري ضد أسطول طائرات الركاب السعودية في الفلبين. التدخل في إفريقيا في وقت سابق من نوفمبر اعتقلت السلطات الكينية مواطنين إيرانيين بتهمة التآمر على تنفيذ هجوم إرهابي ضد أهداف إسرائيلية في نيروبي، حيث تردد أنهما مرسلان من قبل فيلق القدس التابع للحرس الثوري. وبعد شهر شن الجيش النيجيري هجوما واسع النطاق على مدينة زاريا التي تقطنها أغلبية شيعية بعد ما تردد من معلومات استخباراتية حول محاولة اغتيال رئيس أركان الجيش في البلاد. وزعم أن المؤامرة كانت من تنظيم جماعة مسلحة شيعية دربتها إيران سابقا على تجميع المتفجرات ومهارات أخرى، وفقا لمستشار سابق في وزارة الخارجية الإيرانية. وفي مايو قتلت غارة شنتها طائرة أميركية دون طيار زعيم حركة طالبان الأفغانية الملا اختر محمد منصور، على الحدود بين إيرانوباكستان. وأشارت مصادر إلى دعم إيراني ضمني لحركة طالبان، إن لم يكن أكثر من ذلك. وتتبعت السلطات الأميركية قيامه بزيارة عائلية في إيران ونفذت الغارة لدى عودته إلى باكستان. وبعد ذلك صرح المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، أن منصور كان في إحدى "رحلاته غير الرسمية" لإيران بسبب "التزامات المعارك المستمرة". دعم مزدوج ظهر هذا الدعم في فبراير الماضي، عندما زار وفد من حركة الجهاد الإسلامي طهران لثمانية أيام، التقى خلالها بمختلف المسؤولين بمن فيهم قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، قاسم سليماني. الذي صرَّح قائلا "إيران كانت داعما قويا للمقاومة الفلسطينية قبل الاتفاق النووي، وستظل كذلك بعده". واحتفت حماس بالزيارة في بيان خاص بها، عبر إشارتها إلى "اجتماعات ناجحة وإيجابية مع المسؤولين الإيرانيين". وعلى الرغم من هذا التقارب، واصلت إيران رعايتها لجماعة "الصابرين"، وهي منظمة متشددة جديدة في غزة، يتزعمها قائد سابق في حركة الجهاد الإسلامي. وأفادت بعض التقارير أن الجماعة تتلقى مبلغ 10 ملايين دولار سنويا من طهران. وفي ديسمبر الماضي أعلنت حركة "الصابرين" مسؤوليتها عن تفجير استهدف القوات الإسرائيلية على الحدود.
الإرهاب بالوكالة في لبنان يبقى حزب الله هو الوكيل الإرهابي الرئيسي لإيران. ففي الشهر الماضي قال الأمين العام للجماعة حسن نصر الله بشكل صريح "الحزب يحصل على المال والسلاح من إيران. وطالما أن لدى إيران المال، فلدى حزب الله المال أيضا". ومنذ توقيع خطة العمل المشتركة الشاملة للبرنامج النووي، شاركت تلك المنظمة المدرجة على قوائم المنظمات الإرهابية في الولاياتالمتحدة في العديد من المخططات الإجرامية والتجسسية والإرهابية. وفي فبراير أعلنت "إدارة مكافحة المخدرات" الأميركية اكتشافها شبكة تهريب مخدرات وغسل أموال كبرى، من خلال تحقيق متعدد الجنسيات. مشيرة إلى أن "مسؤول شؤون الأعمال" في الذراع الخارجي الأمني لحزب الله هو أحد المتبرعين الرئيسيين للشبكة التي جمعت ونقلت ملايين اليوروهات كعائدات من المخدرات للحزب، الذي بدوره استخدمها لشراء أسلحة لمقاتليه في سورية.
الدعوة للمحاسبة في فعالية معهد واشنطن التي جرت في أبريل 2015، قبل ثلاثة أشهر من توقيع "خطة العمل المشتركة الشاملة"، صرح وزير الخزانة الأميركي جاك ليو قائلا "لا تسيئوا الفهم: مع صفقة أو من دونها، سنتابع استخدام جميع أدواتنا المتاحة، بما في ذلك العقوبات، لمواجهة سلوك إيران التهديدي". وبعد ذلك بعام أكد الرئيس أوباما على هذا التعهد لشركائه في مجلس التعاون الخليجي في قمة كامب ديفيد وأضاف "علينا أن نكون فعالين في دفاعاتنا ومحاسبة إيران عندما تتصرف بطرق تتنافى مع القواعد والمعايير الدولية". ومع ذلك، من الواضح اليوم أن دعم إيران للإرهاب زاد منذ التوصل إلى الاتفاق النووي، وهو الأمر الذي يجب ألا يفاجئ المسؤولين. ففي يونيو على سبيل المثال، خلص المسؤول في وزارة الخزانة الأميركية آدم زوبين، إلى القول بوضوح "كما توقعنا، لم تعدّل إيران سلوكها منذ تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة". ونظرا لدعم إيران المستمر للإرهاب وعدم الاستقرار الإقليمي، وإصرار الإدارة الأميركية المتكرر على أنها ستحاسب طهران بشدة على هذه القضايا بالذات، فإن الذكرى السنوية الأولى للخطة توفر لواشنطن فرصة مثالية لإعادة تقييم السلوك السيئ لذلك النظام، واتخاذ خطوات لمحاسبته.