لا تزال دعوات البحث في التراث الإسلامي وتجديد الخطاب الديني تقابل بسيل من الهجوم والرفض المقرونين -غالبا- بغياب النظرة العقلانية للفائدة العظيمة التي قد تنتجها مثل هذه الدعوات لو بدأت في سياق الحياد العلمي والتاريخي، وتحت مظلة العلماء أنفسهم. تعتمد أغلب تلك الآراء في هجومها على مبدأ الخوف من أن دعوات التجديد تلك تقف خلفها محاولات تشويه ممنهجة، بينما يكمن الخوف الحقيقي/ الخفي -من وجهة نظري- من نتائج هذا التجديد. وحتى لا يظن البعض أنني أخوض في المحظور أود أن أذكر بحديث الرسول، صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها) رواه ابن داود. أتمنى كذلك أن يكون القارئ قد لاحظ أن مفردة "يجدد" وردت بالحديث وهي تحقق ذات الغاية والمعنى من مفردة "التجديد" الذي بات يقول به الكثير، ولا أقول الأغلب. واستنادا على الحديث الوارد أعلاه، وكذلك الواقع المر الذي نعيشه كل يوم من نشأة جماعات تقتات على تراث وتفاسير غير ملزمة -فكل يؤخذ من كلامه ويرد بعد خاتم النبيين- وجب أن نصحح المسار وأن نضع أيدينا على مواضع الخلل ونسارع في معالجتها معالجة شرعية علمية. هناك أكثر من ثلاثمئة عام من التصلب في حال اعتبرنا أن آخر تجديد كان قد بدأ من عام 1135 للهجرة أي بعد ولادة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بعشرين عاما لنتساءل لماذا كل هذا الجمود طوال هذه الأعوام؟ في ظل الحاجة الماسة إلى محاولات جادة لنقد وتجديد الخطاب وسط متغيرات حياتية كثيرة. لا أشك بل وأحسن الظن في تلك الردود الاندفاعية الشاكة في أن التجديد قد يكون حقا أريد به باطل، ولكن هذا لا يبرر أبدا أن يكون الرد "باطلا أريد به حق".