حين يدعو الدكتور فهد العرابي الحارثي في حفل تدشين كتابه "المعرفة قوة.. والحرية أيضاً" إلى اقتناء الكتاب وعدم قراءته، فإنما يفعل ذلك لأنه يقدر مقدار الحسرة التي ستحل في نفوس القراء الذين سيدركون كم الخسائر الهائلة التي فجعنا بها لأننا لم نتعلم الدرس مبكراً. ووقف الدكتور الحارثي على منصة صالة القصر في فندق جدة هيلتون أول من أمس، أمام عدد من المثقفين وخاطبهم مرتجلاً شرحا للخطوط الرئيسة في كتابه. واختتم الحارثي حديثه بالقول "إنني أنصحكم أن تقتنوا الكتاب ولا تقرأوه، ذلك بعد عرضه لسلسلة الأفكار التي وصفها بأنها علمية ودقيقة، وجميعها خاطبت المستويين العقلي والوجداني. وبدأ حفل تدشين وتوقيع الكتاب بتقدمة سعود كاتب لصاحب الكتاب وعرض لمجمل تجربته، ثم كلمة للدكتور عبدالله مناع شرح فيها الفكرة التي كونها عن الكتاب، معتبراً أن حفلات توقيع الكتب غدت طقساً ثقافياً يساهم في الإغراء بالنشر. وأضاف مناع "بعد أن قرأت فصولاً من الكتاب أدركت أننا أمام كتاب مهم، وأن الدكتور الحارثي قدم لنا سفراً تفخر به المكتبة العربية، مشبهاً إنتاجه بأنه يشابه ما قام به رواد عصر النهضة، ففي كتابه يقدم لنا نفس اللحظة، ونفس المواجهة، ويكشف من خلاله عن رؤية كاملة عن المعرفة والحرية". وأكد الدكتور الحارثي في كلمته أنه كتب أكثر من 600 صفحة في هذا الكتاب ليقول كلمتين فقط هما "المعرفة والحرية"، مشيرا إلى أن عمر كتابه أكثر من عشرين عاماً، فقد بدأ بست مقالات في مجلة اليمامة تبحث في مصطلحات ومفاهيم تنشأ في بيئات أخرى ويتم تشويهها في بيئتنا، فقد تحولت الديمقراطية من أسلوب لتداول السلطة في الغرب إلى وسيلة لدعم الديكتاتورية في العالم العربي، وتحولت قيمها الإنسانية في الغرب إلى تحد للمنظومة الاجتماعية والأخلاقية عندنا. وأشار الحارثي إلى أن غياب المعرفة وغياب الحرية هما مصدر الأزمات التي مرت ولا يزال يعيشها العالم العربي. ونفى الدكتور الحارثي عن نفسه أن يكون قومياً، مشيراً إلى أن ذلك قد يغضب محمد سعيد طيب الذي كان بين الحضور، وأضاف أنا عربي فقط ولا أؤمن بالأيديولوجيا. وتعرض في كلمته إلى مرجعيات الأفكار التي تلقي اللوم على الرجعية أو المؤامرة أو الصهيونية أو الأيدولوجيات، وقال لم أعد أؤمن أن أم كلثوم أو جمال عبدالناصر أو عبدالرحيم شعبان، هم المسؤولون عن تخلفنا، فقد فتحت رأسي للشمس لأعرف من هو المسؤول عن جوعنا وتخلفنا. ثم عرج الحارثي على فساد التعليم، وقال "إذا كان التعليم منجزا إنسانيا وتكمن قوته في الأفكار، فهل قمنا ببناء الإنسان القادر على حمل هذه الأفكار؟". وأبدى الحارثي إعجابه بسياسة الابتعاث السعودية، ولكنه أبدى قلقه في نفس الوقت من أن يكون الابتعاث لمجرد الابتعاث. وأضاف أن التعليم من غير فكر نقدي يوسع دائرة الخانعين والقانعين ويرسخ عادات التلقي والقبول، منوها بمشروع جامعة الملك عبدالله باعتبارها نموذجاً للحاق بركب العالم، مشيراً إلى أن العالم خلال السنوات القليلة القادمة لن يكون منتمياً للعالم الذي نعرفه منذ ولادة آدم حتى اليوم. وانتهى الدكتور الحارثي بعد تعداد مشكلاتنا على المستوى التاريخي إلى القول "إن السر كله يكمن في كلمتين هما المعرفة والحرية ومن دونهما لا شيء سيتحقق". وقام بعدها بتوقيع نسخ من كتابه لعدد من الحضور الذين كان من بينهم وزراء سابقون ومثقفون وكتاب وإعلاميون. ولم يحضر من السيدات سوى سيدتين تعملان في مجال الإعلام جلستا في آخر القاعة تنصتان إلى وقائع جلسة عرض كتاب الدكتور الحارثي.