لم يعد مستغربا أن تجد من بين الإعلانات، إعلانا يقول "نحج بدلاً عنك"، طالبا منك الاتصال بأبي فلان، على رقم هاتفه! إعلانات صغيرة تتناثر هنا وهناك، تظهر بشكل أكبر مع اقتراب موسم الحج، حيث تبدأ عمليات الترويج لأشخاص يقدمون خدماتهم، لمن يريدون أن يُحج عنهم أو عن أقاربهم. هذه الإعلانات لم تكن في الصحف الورقية فقط، بل تراها في عدد من مواقع الإنترنت، وفي المساجد، كما بعض الأحياء السكنية الراقية، وكل ذلك من أجل الحصول عن زبائن في الموسم الديني الأكبر. تجارة واستغلال بالرغم من وجود أصل في الشريعة ل"حج البدل"، إلا أن البعص اتخذ منه وسيلة للتكسب واستغلال الحماسة الدينية لدى عموم جمهور المسلمين، الذين يريدون أن يبرئوا ذممهم، ويتقربون إلى الله بالطاعات، إلا أن البعض امتهن الحج، مفرغا إياه كما يرى عدد من المتابعين للظاهرة، من محتواه المعنوي، واجدا فيه فرصة للكسب الموسمي. الحج عن الأموات الموظف في البريد السعودي، عبدالله سالم، اعتاد كل عام القيام بأداء فريضة الحج نيابة عن الأموات، بعد الاتفاق مع ذويهم، يحكي إلى "الوطن" عن تجربته، فيقول "أقوم بذلك بشكل شخصي، ولا انضم إلى مجموعة تقوم بأداء فريضة الحج عن الغير. بل أضع إعلانات صغيرة في الصحف الإعلانية بشكل أسبوعي، قبل بدء موسم الحج بقرابة أسبوعين"، مؤكد أنه يقوم بأداء الفريضة عن "أشخاص معينين وليس الكل"، فيشترط "الحج عن الأموات"، لأنه يجد في ذلك "الثواب قبل الحصول على الأجر المتفق عليه". أسعار متفاوتة يضيف سالم في حديثه معنا، موضحا أن "هنالك العديد من الأشخاص الذين أساؤوا إلى الحج عن الغير، متخذين من هذا الموسم فرصة لاستغلال الباحثين عن من يقوم بأداء فريضة الحج عن أمواتهم، أو عن العاجزين". وعن المبالغ التي يتقضاها نظير القيام بهذا الفريضة عن الغير، يبين أن القيمة تختلف حسب نوع الحجة التي يرغبها الشخص المتبرع، فلكل حجة سعر محدد، فحج "الإفراد"، حيث يحج فقط من غير عمرة، بمبلغ وقدره 4000 ريال، فيما حج "الإقران"، (حج وعمره) فيكلف 4500 ريال، أما حج "التمتع"، وهو أداء الحج والعمرة بإحرامين منفصلين، والتمتع بينهما، وهو موجب للهدي، فيكلف مبلغ 6000 ريال. ويبرر هذا التباين في السعر بقوله "يختلف أداء نسك الحج من نوع لآخر. فأداء نسك الإفراد، يختلف عن نسك الإقران بالمجهود، بالإضافة إلى أن الهدي يوجد في بعض النسك دون الآخر، لذلك وضعنا لكل نسك مبلغا معينا، يتناسب مع حجم الجهد المبذول، والنفقة التي يحتاجها". شروط للحاج ولكيلا يضيع المال الذي يبذله الأهل هباء، فيما يتاجر به من يقبضه، طالب سعيد الدوسري ب"إيجاد جهة وضوابط رسمية، لاختيار الأشخاص الذين يقومون بأداء فريضة الحج عن الغير، وفق شروط حج البدل التي فرضتها الشريعة، ووضع آليات معينة لضبط هذا الأمر، حتي لا يصبح حج البدل متاجرة واستغلال". معتبرا أن "جهل كثير من المسلمين بالحكم الشرعي الخاص بحج البدل، وسؤالهم الدائم عن جواز هذا الحج من عدمه"، أدى لدخول بعض المتكسبين من خلال هذه الثغرة، مشددا على ضرورة وجود "التوعية والتثقيف من قبل الجهات المعنية في الحج". عشرون حجة منير أبو زرعة، يمني يحمل الجنسية البريطانية، مقيم في جدة، قام ب20 حجة، بعد أن أدى فريضته. الشاب المتزوج، ذو 43 عاما، يقوم بالحج عن الغير ل"مجرد كسب الأجر من عند الله، قبل الحصول على المال"، كما يقول، معتبرا أن ذلك أصبح "مشروعه الذي يسعي لتحقيقة". أبو زرعة يصف نفسه بأنه "مؤسس حج البدل في العالم الإسلامي"، وهو الادعاء الذي يحتاج إلى دليل. وهو يقوم بعملية ترتيب أداء فريضة الحج عن العجزة والمرضى، وأيضا عن الموتى، الذين لم يؤدوا الركن الخامس، مقابل مبلغ مالي يتفق عليه مسبقا، بحسب نوع النسك. تعهد أمام الله الرسوم المالية التي يتقضها أبو زرعة، لم تبتعد عن تلك التي يتقاضاها زميله عبد الله سالم. فحج الإفراد يكلف قرابة 4000 ريال، وحج الإقران مبلغ 4500 ريال، أما حج التمتع ف5000 ريال، أي أقل من أسعار سالم. مشيرا إلى أنه يقوم بالحج كل عام عن شخص واحد، ويتعهد أمام الله القيام بأركان الحج، لأنه يعتبر ذلك "أمانه ومسؤولية أمام الله". ثقة مجهولة! عبد السلام محمد، قام قبل عام بالاتفاق مع شخص للحج عن ولده المتوفي منذ 4 أعوام، حيث اختار الشخص الذي أناب عن ولده عن طريق أحد الأصدقاء، الذي رشح له هذا الشخص. يقول في هذا الصدد "لا أعرف عن مصداقية هذا الشخص شيئا، بل أوكلت له، وتم إعطاؤه المبلغ المتفق عليه"، معتبرا أن "الحج لابد أن يؤديه الشخص الموكل له بأمانة، ويطبق كافة شروط الحج وقواعده وأركانه". ضرورة التقنين بدوره أستاذ السياسة الشرعية والأنظمة بجامعة الملك عبد العزيز، الدكتور حسن محمد سفر، ذكر أن حج "البدل"، يسمى عند الفقهاء "التوكيل أو النيابة بالحج"، مشيرا إلى أنه في ظل المتغيرات الحالية التي يشهدها العصر، فإن الفقهاء وضعوا شروطا يجب توفرها في من يقوم بحج البدل، بحيث يكون ثقة، وأن يكون سبق أن حج عن نفسه، وعالما بمناسك الحج وأحكامه، وأمينا، وغيرها من الشروط. معتبرا أن هنالك "بعض ضعفاء النفوس، ممن اتخذوا من هذا البدل متاجرة لكسب المال"، مشددا على أنه "لا بد أن يقنن هذا الأمر". سفر طالب أيضا بأن يكون هناك "توعية وتثقيف، ويكون الأمر منوطا بمراكز الأحياء والمساجد، في وضع إعلان عن انتقاء أشخاص ثقات، يقومون بهذه الفريضة". مقترحا أن "تقوم وزارتا الحج والداخلية، بإعداد تقنين لهذه المسألة". حجٌ لله "حج البدل لا بد أن يكون لله، دون طلب المال"، هذا ما يؤكده المشرف على كرسي الأمير سلطان للدراسات الإسلامية، الدكتور خالد القاسم، مبينا أنه "ورد في السنة أن الشخص يستطيع الحج عن ذويه، بشرط أن يكون حج عن نفسه" معتبرا أن ذلك "لا يمنع من إعطائه المال الذي يمكنه من الوصول إلى المناسك، دون أخذ هذا المبلغ لمجرد الكسب، وجعل أداء هذه الفريضة عن الغير متاجرة".