ليلة صيفية في جدة مع لهيب حر عام 2000 دلف مع باب مكتب صحيفة الاقتصادية ذلك الشاب النحيل معرفا بنفسه "زميلكم حسن الحارثي مراسل الطائف". حوار ودردشة انتهت بتعارف لم يتعمق، كانت المرة الأولى التي أرى حسن وتبادلنا أرقام الهواتف. شعرت بأنني أطير بأجنحة من فرط فرحتي بما قرأ، وكانت تلك المكالمة فاتحة محبة وصداقة، وجيرة نبيلة انتهت آخر صفحاتها بين القاهرةوميامي عندما نام وسافرت روحه الطاهرة إلى أكرم من يجاور وأرحم من يقبض. تشاركت مع حسن عشق المهنة وكسر القواعد بجنون صحفي مع زملاء رائعين في صحف "الاقتصادية"، "الحياة" و"عكاظ" وبعض الإنتاج التلفزيوني الخاص. كنا نهاتف بعضنا للاستشارة في العنوان ومناقشة الأفكار، وأجمل لعبة كنا نمارسها هي التسميات والعنونة والاحتفاء بأي مفردة خارجة عن السائد. سافرنا معا إلى سويسرا لتصوير برنامج تلفزيوني، فعرفته في السفر نبيلا مرحا محبا للحياة منطلقا ومثقفا. وبعد عام ونصف العام لحقت به عائدا من الرياض بعد 3 أعوام من العمل في العاصمة، فتجاورنا وأصبحت صداقتنا أسرية وأكثر عمقا. عامان وثلاثة أشهر قضيناها معاً في "عكاظ" بين شد وجذب، اختلفت معه كثيرا وأحببته أكثر، إلا أنه كان مع كل عتب يقول لي يا "أكبر"، وأرد عليه يا "أكثر"، من أغنية عبدالمجيد عبدالله "إنت منت إنسان أكثر"، لأننا كنا نتسابق رغم الظروف على تغليب الإنسان الذي يسكننا. شددت الرحال في 2011 إلى أميركا، وبقيت لأكثر من 5 أعوام بعيدا إلا أنه كان قريبا جدا، فلا يمر أسبوع دون اتصال أو رسالة وكأننا لم نفترق، كنت فرحا بتميز موقعه الإخباري "أنحاء"، وحضوره اللافت كتابيا بسحر الصحفي والقاص في برامج MBC، وأخيرا عموده في "الوطن". كنت دائما أقول له خفف من جنونك يا أبا يزيد، الحياة تحتاج بعض التركيز وأسرتك تكبر، فكان دائما يردد بأن الله سييسر كل عسير. وكم كنت سعيدا عندما أرسل لي رسالة "أنا في المحكمة أفرغ صك بيتي، أخيرا حصلت على بيتي يا صديقي. الحمد لله". هو هكذا خليط بين المؤمن والمبدع وزارع الفرح. والله أعرف سجادة حسن وأعرف حرصه ألا تفته فريضة. آخر حواراتي مع حسن قبل أيام في طريق السفر إلى كوبا، إذ طلب مني مقطعا يحوي سؤالا موجه لضيف البرنامج، فكنت أعتذر بسبب كثرة التنقل والترتيب للسفر بينما كان يشاهدنا على برنامج "سناب شات"، فرد على طريقة المبدعين وبعتب رقيق "أعتبرها سنابه على متن التمني"، فسجلتها حال وصولي إلى ميامي، فكان الرد كالعادة "شكرا يا أكبر". رحل حسن، بكل نقائه وضحكاته اللذيذة وشعره العذب وجنون الصحفي الذي لا يمل وحديثه وإبداعه. حسن الثري بما يقرأ ويطرح. حسن صاحب المبدأ والحدود الأخلاقية. رحل وكثير من الكلام في صدري لا يسمعه إلا هو كاتم السر وحافظ العهد كريم القلب واليد. وداعا يا "أكثر" من صديق.