عبدالله علي الشهراني ثارت ثائرة البعض عندما أورد الشيخ المغامسي رأيا بعدم تحريم الموسيقى في لقاء فضائي. وقد ألتمسُ لهم بعض العذر بسبب الواقع الغنائي الهابط المنتشر في الفضائيات من مجون ورقص وفيديو كليب! ولكنني لا أعذرهم في الحملة الشعواء الشرسة عبر تويتر ضد شخص المغامسي الكريم، كما تعرض لذلك أيضا الشيخ الكلباني من قبل عندما أباح الغناء بضوابطه!! فمنهم مَنْ صنف المغامسي بأنه من (القرآنيين)! الذين لا يعترفون بالسنة، ومنهم من اعتبره واعظا ناقلا وليس عالما! والبعض -في مشهد مقيت يصور مدى الفجور في الخصومة والبعد عن آداب الحوار والاختلاف- وصفوه - للأسف- بأوصاف يعف قلمي أن يكتبها...! وما ينبغي عندما يأتي عالم من العلماء برأي سائغ مؤيَّدٍ بالأدلة حول قضية خلافية يسوغ الخلاف فيها أن تلقى عليه التهم جزافا، ويطعن في دينه وعلمه وتستطيل ألسنة حداد تأكل من لحمه!! انتصارا للذات وتعصبا لرأي معين لمجرد أنه خالف الرأي السائد الذي قد يكون مرجوحا عند جمع من العلماء قديما وحديثا.. وفي الحقيقة أن موضوع الغناء والموسيقا من القضايا الخلافية منذ القدم، ولذلك يقول الشيخ العالم محمد رشيد رضا في الفتاوى: (وقد اختلف العلماء في سماع الغناء وآلات اللهو قديما وحديثا، وأكثروا القول فيه، بل كتبوا فيه المصنفات واستقصوا الروايات...)، ثم ناقش الشيخ في فتوى مفصلة طويلة أدلة الحظر وناقشها وذكر أدلة الإباحة وناقشها ثم انتهى بما يرجحه في النقاط التالية: 1:- لم يرد نص في الكتاب ولا في السنة في تحريم سماع الغناء أو آلات اللهو يحتج به. (قلت: وأقوى دليل ورد في ذلك حديث المعازف وإن كان ورد في البخاري إلا أنه من المعلقات لا من المسندات المتصلة، ولذلك رده جمع من العلماء لانقطاع سنده، وقد اجتهد ابن حجر في كتابه [ تغليق التعليق] لوصل الحديث ووصلَهُ من تسع طرق ولكنها تدور على راوٍ هو (هشام بن عمار)، وقد تكلم فيه عدد من الأئمة وقال عنه أبوداود (إنه حدّث بأربعمئة حديث لا أصل لها)، وقال عنه الإمام أحمد إنه (طيّاش خفيف). - ورد في الصحيح أن الشارع وكبار أصحابه سمعوا أصوات الجواري والدفوف بلا نكير. - أن الأصل في الأشياء الإباحة. - ورد نص القرآن بإحلال الطيبات والزينة وتحريم الخبائث. - لم يرد نص عن الأئمة الأربعة في تحريم سماع الآلات. - كل ضار في الدين أو العقل أو النفس أو المال أو العرض فهو من المحرم، ولا محرم غير ضار. - من يعلم أو يظن أن السماع يُغريه بمحرم حُرّم عليه. - إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما يُحب أن تُؤتى عزائمه. - إذا وصل الإسراف في اللهو المُباح إلى حد التشبه بالفُسّاق كان مكروها أو محرما. وفي الواقع أن جميع الأحاديث التي يستدل بها محرمو الغناء مُثخنة بالجراح لم يسلم منها حديث دون طعن في ثبوته أو في دلالته أو فيهما معا. قال القاضي أبوبكر العربي في كتابه الأحكام: (لم يصح في التحريم شيء)، وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة والموصلي وتبعه الفيروزأبادي وابن حزم في محلاه. وقد أسهب ابن حزم في الرد على من يحتج بقوله تعالى (ومِن الناس مَن يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين)، قائلا: (وما ذم قط -عز وجل- من اشترى لهو الحديث ليتلهى به ويُروّح عن نفسه لا ليضل عن سبيل الله.. فنص الآية يبطل احتجاجهم بها)، وفي الحقيقة أن هنالك روايات أخرى تخالف تفسير ابن مسعود للهو الحديث بأنه الغناء، ففي تفسير ابن جرير وابن كثير والقرطبي بأن لهو الحديث هو قصص ملوك الفرس وأخبارهم كان يجلبها النضر بن الحارث، أحد المشركين العتاة، ليشغل الناس بها عن استماع القرآن. وقد وردت أحاديث صحيحة ثابتة متصلة السند قطعية الدلالة تُجيز الغناء، ومنها ما ورد في البخاري حديث غناء الجاريتين في بيت الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند عائشة وانتهار أبي بكر لهما وقوله: مزمور الشيطان في بيت النبي، صلى الله عليه وسلم؟! وهذا يدل على أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم البعض! وقد ردَّ الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعدم منعهما، ثم علل بعد ذلك بأنه يريد أن يعّلمَ اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة، وفي هذا دليل على وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدى الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه.. وأخيرا وضع بعض المجيزين للغناء بآلة أو بلا آلة شروطا لإباحته ومنها: - أن يكون موضوع الغناء لا يخالف آداب الإسلام وتعاليمه. - ألا يقترن بمُحرّم كشرب الخمر أو التبرج والعري، كما يحدث في بعض الفضائيات. - ألا يتم الإسراف في السماع، فالإسلام حرّم الغلو والإسراف في كل شيء، حتى في العبادة، فما بالك بالإسراف في اللهو.