رغم أن المرشحة المحتملة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون تريد أن يظل الناخب الأميركي خائفا من نظيرها دونالد ترامب، ليصب ذلك في مصلحتها في السباق الرئاسي، إلا أن هناك سببا آخر لهذا السلوك - أكبر من التنافس الحزبي وأعمق من الاختلاف الإيديولوجي، وهو أن المحافظين والليبراليين الجدد يريدون معا وفي "سابقة نادرة"، أن تكون الرئاسة من نصيب كلينتون. وجهة النظر هذه أوردها المحلل السياسي الأميركي، روبرت باري، في تقرير نشر في "كونسورتيوم نيوز"، حول "ما يجمع المحافظين الجدد والليبراليين الجدد اليوم"، أكد فيه أن الطريقة الغالبة والتقليدية لتحديد القادة الوطنيين واختيار الرؤساء في الولاياتالمتحدة، عبر قوة المال وجاذبية الإيديولوجيا والميديا - تطورت إلى نظام معقد جدا حاليا، بل إن الاختلافات الجوهرية بين الجانبين ذبلت إلى درجة أنها أصبحت "أفكارا ميتة"، وهي الأفكار والمفاهيم الناظمة للسياسة الخارجية والاقتصاد الأميركي على مدى عقود سابقة.
الناخب المتمرد وحسب باري فإن المطلعين على شؤون الحزب الديمقراطي وجدوا أن التعويل على وسائل الإعلام، وقادة الرأي في تهميش المرشح الجمهوري ترامب لن يجدي نفعا، كما أن الرهان على الناخب الذي أنهكته الحروب الدائمة للمحافظين الجدد لم تعد تغريه الوظائف فقط التي وفرتها له الليبرالية الجديدة في عهد أوباما، فأميركا في الوقت الحالي أمام ناخب جديد يمكن أن نطلق عليه "الناخب المتمرد " على كل هذه الإيديولوجيات، وأصبح السؤال الملح عام 2016 "هل نحن أقرب إلى أزمة وجودية على مدى 4 سنوات قادمة؟". في المقابل فإن الليبراليين الجدد – كما يقول باري - مهتمون بالسياسة الاقتصادية وعلاج الأسواق، وخصخصة الأصول العامة وحماية المواطنين من تجاوزات الرأسمالية عن طريق حكومات قوية، فضلا عن بناء البنية التحتية لصالح الأمة ككل وليس لطبقة بعينها، وهو الأمر الذي لم يجد معارضة من قبل المحافظين الجدد.
تشابه المواقف هذا التشابه والتداخل في المواقف بين الحزبين الكبيرين جعلا الديمقراطيين يقفون بثقلهم وراء ترشيح وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، بنفس القدر الذي يأمل المحافظون الجدد والحزب الجمهوري تشويه صورة دونالد ترامب، فالجميع اليوم أقرب إلى التصويت لصالح كلينتون، خوفا من المغامرات التي يمكن أن يقوم بها "ملياردير نرجسي" في البيت الأبيض. ويرى أولئك أن كلينتون لها خبرة وباعا طويلا في السياسة، بينما يصعب معرفة ما يعكسه تفكير ترامب الفعلي أو ما يطلق عليه "جهله الحقيقي"، على عكس المهارة التي يظهر بها في "تليفزيون الواقع" وكأنه الفائز الوحيد بترشيح الحزب الجمهوري، ودون منازع. لكن باري، نبه إلى ملاحظة مهمة وهي أن ترامب خرج بالفعل على إيديولوجيا المحافظين الجدد بتوجيه انتقادات جذرية لهم، منها الحرب على العراق عام 2003، كما أنه يدعو صراحة للتعاون بين أميركا وروسيا والصين، فضلا عن إعلانه عن أن استراتيجيته تقوم على أن "أمريكا أولا" والتي تتناقض مع مطالب المحافظين الجدد في إرسال القوة العسكرية الأميركية للخارج خدمة لمصالح الحلفاء كذلك انتقاده للتجارة الحرة. ولفت باري إلى أن استراتيجية ترامب هذه جعلت كلينتون الديمقراطية أقرب لاستراتيجية المحافظين الجدد من المرشح الجمهوري.
خبرة هيلاري على صعيد السياسة الخارجية، كلينتون تدعم باستمرار حروب المحافظين الجدد، ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، قال المحلل السياسي، روبرت كاجان "أشعر بالراحة معها في السياسة الخارجية. فهي سوف تنتهج السياسة التي نعتقدها وسوف تفعل نفس الشيء وكأنه تم استدعاء المحافظين الجدد، وفي فبراير 2016، أعلن كاجان صراحة دعمه لكلينتون، في افتتاحية صحيفة "واشنطن بوست". كاجان على حق في تأييده ورؤيته لكلينتون فهي التي نفذت استراتيجية المحافظين الجدد في تغيير الأنظمة بالقوة التي لا تمتثل لأوامر واشنطن أو تحيد عن أهداف أسرائيل في الشرق الأوسط. ودعمت الانقلابات، كما هو الحال في هندوراس "2009" وأوكرانيا "2014"؛ فضلا عن الحروب ضد العراق "2003"، والثورات في ليبيا وسورية وغيرهما "من2011 إلى الوقت الحاضر" وبدرجات متفاوتة، مما يعني في النهاية أن فوز كلينتون هو استمرار المزيد من الحروب على منوال المحافظين الجدد .
خطورة إيران لفت روبرت باري إلى مقال للمستشار الخاص السابق لوزيرة الخارجية كلينتون، دينيس روس، في موقع "بوليتيكو" الذي أشار فيه بأصابع الاتهام إلى سياسة أوباما المترددة وعدم استخدام القوة العسكرية في الشرق الأوسط، حيث دعا روس إلى حماية حلفاء الولاياتالمتحدة في منطقة الشرق الأوسط من إيران التي تهدد المصالح الإقليمية لأميركا وحلفائها واعتبرها روس لا تقل خطورة عن الإرهاب وتنظيم داعش. وعزا روس تدخل المملكة العربية السعودية في اليمن إلي عدم فرض أميركا أي قيود على التمدد الإيراني في المنطقة، مما دفع المملكة إلى رسم حدود آمنة خاصة بها.
تذكرة واحدة لمواجهة تردد أوباما في استخدام القوة العسكرية يدعو روس إلى إعادة تأكيد ضرورة استخدام هذه القوة مع قدوم كلينتون "وتأييد المحافظين الجدد" ضد إيران والميليشيات الشيعية، مما يعني ضرورة التخطيط مع دول الخليج لمواجهة تجاوزات إيران عسكريا مع تسليح القبائل السنية في العراق وإيجاد ملاذات آمنة في سورية لأن الرئيس الروسي بوتين لا يضغط علي الأسد ليتنحى. ويخلص باري إلى أن إعادة تطبيق مبدأ "الإكراه" من قبل الولاياتالمتحدة في جميع منطقة الشرق الأوسط، كما يدعو إليه روس معناه أنه حدد سلفا ما يمكن أن يتوقعه العالم من تقلد كلينتون لرئاسة البيت الأبيض.