ماذا يعني أن تصدر محكمة أميركية في نيويورك قبل شهر حكم الإدانة على إيران لمسؤوليتها عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر؟ وما يحدث في الأيام الماضية من تصريحات مثيرة للجدل لعدد من النخب السياسية في الولاياتالمتحدة الأميركية كمثل ما روج له بوب جراهام (عضو سابق في مجلس الشيوخ وحاكم فلوريدا) من اتهامات باطلة حول دور السعودية في هجمات 11 من سبتمبر، وما ذكره المرشح الرئاسي بيرني ساندرز من قلقه عن دعم السعودية للإرهاب؟ هل من الممكن أن تكون لذلك علاقة مع تصريحات باراك أوباما المثيرة للجدل ضد السعودية؟ بإمكاننا أن نرد على هذه الاتهامات والتجاوزات بعشرات الأدلة الدامغة التي تثبت زيف وبطلان هذه الاتهامات، ولكن العلة ليست في مصداقية الاتهامات، بل ما خلف هذه الاتهامات والتصريحات وأداء الدبلوماسية الأميركية في السنتين الأخيرتين حول تعاطيها مع ملفات وقضايا منطقة الشرق الأوسط، فلم يعرف أحد ما احتوته حقيبة جون كيري التي حملها إلى موسكو، ولا أحد يعرف مضمون المحادثات غير المعلنة بين الأميركيين والروس في جنيف التي تحدت بالتوازي مع المفاوضات بين وفد نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، ولكن من الواضح أن مشروعا قادما ترغب الولاياتالمتحدة الأميركية في تطبيقه في الشرق الأوسط. من المتوقع أن يتضمن المشروع بقاء قضية الفلسطينيين والإسرائيليين على وضعها الحالي، وأن يتم إنهاء الخلاف السعودي الإيراني تاركا لهما إدارة المنطقة مع تركيا ومصر مع إبقاء ضمان أمن إسرائيل كجزء من إستراتيجية أميركا. ومع أن الأغلب -والأميركيون أنفسهم كذلك يدركون- أن هذا المشروع غير واقعي وغير فعال ومتناقض، فيما يخص إنهاء الخلاف السعودي الإيراني، فالعلة ليس برفض الطرفين في إيجاد العلاقة بينهما، بل في السلوك الإيراني وطموحاته وأهدافه غير المشروعة في المنطقة، ولكن السياسية الأميركية الحالية ومن واقع خبراتها الماضية لم تعد على قناعة بأن الحل في منطقة الشرق الأوسط من السهل حدوثه، وهي تريد أن تركز الاهتمام في مناطق أخرى من العالم مثل أميركا الوسطى وشرق وجنوب شرق آسيا، وهي بالمقابل لا ترغب في أن يملأ غيرها الفراغ الذي قد ينشأ في المنطقة نتيجة مشروعها الجديد، كل ذلك يطرح تساؤلا في غاية الأهمية، كيف يمكن أن نصدق أن التدخل العسكري الروسي في سورية كان مفاجئا للأميركيين؟ ماذا لو كان هناك تنسيق بين الطرفين من خلف الستار لجعل الأحداث تسير وفق ما يحقق مصالح الطرفين في المنطقة ويرغم الآخرين على قبوله؟.