لا يقتصر استغلال الطفولة على إجبار بعض الأسر لأطفالها على العمل في سن مبكرة دون مراعاة مراحلهم العمرية، ولا احتياجاتهم النفسية، أو إجبارهم على التسول، ولكن هناك استغلال من نوع آخر واسع الانتشار، وهو استغلال براءة الطفولة في دفع صغيرات لغناء كلمات مشبوهة ذات بعد غير أخلاقي. مثال ذلك حالة الطفلة علا فتحي التي صورت فيديو كليب لأغنية "كذبة الفيس بوك" والتي تبث على بعض القنوات الفضائية، ويتم تداولها عبر "اليوتيوب" والموقع الاجتماعي الشهير "الفيس بوك"، والتي تعتبر ضربا من الاستغلال، ويظهر الكليب الطفلة، والتي لا يتجاوز عمرها 13 سنة، ومعها مجموعة من الأطفال، وهي تردد كلمات الأغنية التي تقول : "أنا قلت أجرب حظي وأدخل أنا على الفيس بوك وأعرف أنا ناس وأشيت وأحب وقلبي يدق أصحابي قالوا لي يا بنت أنت لسه صغيرة حطيت صورة على الوول جمالها مش معقول خلت شباب كثيرة يقول لي منورة كان فيهم شاب كول أمور أوي وعسول أديته تلفوني وأداني مس كول سألني كم سنة قلت له خمسة وعشرين وقال أنا أكبر منك يادوب كده بسنتين قال لي ياريت كده نتقابل والعين تشوف العين". وتستمر كلمات الفيديو كليب إلى أن يتم اللقاء، وتفاجأ الطفلة المغنية بأن من تحاوره طفل في العاشرة، وتكتشف في نهاية الأغنية أنهما كانا يخدعان بعضهما البعض. وتشير أم فضل (ربة منزل) إلى أن هناك حالات مشابهة لحالة الطفلة علا، حيث إن بعض الأسر تحاول الزج بأطفالهم في حفلات الأعراس للغناء، وترديد كلمات الحب والغزل، دون إدراك من الطفل لما يقوله، والهدف منه كما ذكرت هو الشهرة للطفل. وأضافت أن إحدى جاراتها عادة ما تحضر الحفلات والأعراس، ولا بد في كل حفلة أن تقتطع جزءا من هذه الحفلة ليغني طفلها الذي لم يتجاوز العاشرة أغاني المطربين، بينما يقابل الطفل بتصفيق من البعض، واستهجان من البعض الآخر. وتستهجن لمياء حسن (موظفة) تقديم الأطفال لوصلات غنائية في الحفلات والأعراس، وترى أن ذلك يعد تشويها لبراءة الطفولة، وخاصة عند تقديم الطفل لأغاني الغزل التي يغيها المطربون. وقالت "هناك عدد من مواقع الإنترنت والقنوات الفضائية تقدم أطفالا يقومون بوصلات غنائية هادمة للمبادئ والأخلاق"، وتساءلت "كيف يمكن أن يكون هؤلاء الأطفال نموذجا لأطفالنا، وخاصة عند غناء تلك المقاطع الغزلية وغيرها". ويرى استشاري الطب النفسي بمستشفى الحرس الوطني بجدة الدكتور رجب بريسالي أن "استغلال الطفل في تقديم أغان تهدم المبادئ الأخلاقية والأعراف الاجتماعية من أقسى أنواع العنف النفسي الذي يمارس ضد براءة وإنسانية الطفولة"، مشيرا إلى أن له آثارا شديدة تبقى في نفس الطفل. وأضاف أن "الدراسات الحديثة أثبتت أن الطفل الذي يتعرض لمثل هذا العنف يصبح لديه اضطراب شخصي حدي ومعاد للمجتمع، ويحاول عند كبره أن ينتقم من المجتمع بأي صورة، وقد يزج بأطفاله بنفسه في هذا المضمار، ويمارس ضدهم العنف، انتقاما مما حدث له وهو صغير. وذكر الدكتور بريسالي أن على عاتق الأسرة مسؤوليات وواجبات كثيرة، أهمها أن توفر لأطفالها الجو الأسري الآمن في المنزل، وخاصة عند متابعة الشبكة العنكبوتية، والقنوات الفضائية، مع وجود التوجيهات السليمة، وفتح قنوات الحوار معهم. وأشار إلى أنه مع ثورة الاتصالات، هناك عدة برامج تقنية الآن توفر حماية للصغار والكبار، وتمنع مشاهدة المقاطع والأغاني الإباحية أو الصور الخليعة، من هذه البرامج برنامج "نقاء نت". وذكر استشاري العلاج النفسي بمستشفى الهدا الدكتور محمود أبو رحاب أن تدريب الأطفال على الغناء الفاحش أو غناء يدعو للخروج على قواعد الأخلاق المتينة، يعتبر نفسيا وطبيا ودوليا سوء استخدام للطفولة، حيث يتم استغلال الأطفال في الغناء والتسول ونحو ذلك، إضافة إلى أن في هذا الغناء هدما لشخصية الطفل، وممارسة هذا النوع ضد الطفولة يسمى "عنف نفسي". وأضاف أن الآثار المترتبة على هذا النوع من العنف النفسي تكون بحسب نوع العنف الذي مورس ضد الطفل، وهذا النوع من الاستغلال يندرج تحت الإهمال من قبل الأسرة، وخاصة من قبل الأم والأب اللذين يزجان بأطفالهما في عالم الشهرة دون وعي وتقنين، عن طريق الغناء ونحو ذلك. وأوضح استشاري العلاج النفسي أن هذا النوع من الأطفال ينشأ لديه فيما بعد اختلال في علاقته بنفسه، وفي علاقته بوالديه، وقد ينشأ على حب الاعتداء على الآخرين فيما بعد، إضافة إلى العزلة وكرهه للمجتمع.