تتأهب الرياض لاحتضان منتدى التخطيط الحضري من 20 حتى 22 جمادى الآخرة الحالي لمناقشة مستقبل المدن السعودية. ويتباين تخطيط المدن تبعا لجغرافيتها وطقسها وميول السكان فيها، ويتراوح بين المدن الدائرية والمدن المستطيلة، وتتحكم الكلفة وطبيعة المكان في أحيان كثيرة في فرض هذا النموذج أو ذاك من التخطيط. تتأهب الرياض لاحتضان منتدى التخطيط الحضري الأول الذي سيقام من 20 حتى 22 جمادى الآخر الحالي، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، تحت شعار (التوجهات الحديثة في التخطيط الحضري)، لمناقشة مستقبل المدن السعودية. وسيوفر المنتدى حسب ما أعلن في موقعه على الإنترنت "إطاراً لجمع المختصين وصنّاع القرار والمهتمين لمناقشة مستقبل المدن السعودية في إطار التوجهات الحديثة في مجالات التخطيط الحضري والبيئة، والتشريعات العمرانية والإدارة الحضرية والمشاركة المجتمعية، مع استعراض أفضل الممارسات العالمية من خلال نخبة من المتحدثين وصناع القرار والخبراء من كافة أنحاء العالم، ويتوقع أن يكون لهذا المنتدى تأثيره الإيجابي في تخطيط وإدارة المدن السعودية لتصبح أكثر تنافسية واستدامة وحيوية قادرة على تلبية تطلعات السكان وصناع القرار بها. وعلى الرغم من الحرص على مراعاة القضية السكنية والميل نحو هوية واحدة للبناء في المملكة، إلا أن المساحات الشاسعة وتنوع الخريطة السعودية، أديا إلى تباين في تخطيط المدن بين التخطيط الدائري والمستطيل وغيرهما، مع التشدد على الإبقاء على حدود كل مدينة واضحة بملامحها وهويتها بحيث لا يترك التوجه والتمدد عشوائياً بلا ضوابط. وتحاول كثير من الدول صبغ مدنها بهوية موحدة، للتعبير عن حضارتها وتراثها وثقافتها، لكن إيجاد هوية موحدة للمدن السعودية تبدو صعبة، نتيجة لاتساع رقعة المملكة، وتنوع تضاريسها الجغرافية، من جبال وسهول وصحارى، لذا يتم تخطيط المدن حسب مواقعها الجغرافية مع مراعاة ثقافة المكان. ويهدف التخطيط العمراني في العموم إلى تقييم الحياة العمرانية، وإيجاد حلول هندسية للمشاكل العمرانية مثل التضخم السكاني، والعشوائيات، وأزمات المرور، وتنظيم الحركة بين السكان والخدمات، وتسريع عملية النمو الاقتصادي، وتحديد مواقع تجارية ومواقع سكانية ومواقع خاصة بالتنزه، واستيعاب النمو السكاني المتزايد.
التخطيط ثبت العقارات وأخفق في توفير بيئة مريحة رأى عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران، مستشار التصميم العمراني، المهندس عبدالعزيز يوسف الحسن أن المدن السعودية تطورت بخطى سريعة منذ بداية السبعينات الهجرية ولم تتوقف وتيرة النمو فيها إلى اليوم، وقال "شهدت بعض مناطق المملكة جهوداً للتنمية لتغطية احتياجات معينة سبقتها تهيئة تلك النواحي وبإمكانات محلية محدودة". وأضاف "التخطيط الحقيقي للمدن الكبرى السعودية بدأ مع بداية التسعينات الهجرية، حين تم تخطيط المدن الرئيسة في المملكة ونجحت في تلك الفترة بتثبيت العقارات ومسار الحركة داخل المدن واستيعاب الطلب على تخطيط المساحات الضخمة من الأراضي لتستوعب النمو السكاني الكبير، لكنها أخفقت في توفير بيئة صالحة للسكن المريح لليوم والمستقبل، كما أنها لم تنجح في توصيل الخدمات لتلك المناطق. واليوم وبعد نصف قرن تقريباً كيف يمكننا وصف مدننا من الناحية التخطيطية؟ وهل نقيم نجاحنا بما نراه من مشاكل عمرانية تطل برأسها في كل مكان؟ وللتسهيل على القارئ يمكن وصف مدننا بأمراض مشتركة في الأغلب وهي كالتالي: 1. مراكز مدننا تسكنها أغلبية من العمالة لسوء حالة المباني فيها وقدمها. 2. وجود بقع سكانية ضخمة في مواقع هامة تفتقر للمستوى الإنساني للسكن والعمل، وتسمى تجميلاً (الأحياء العفوية). 3. عدم التنسيق الكامل بين الوزارات مقدمة الخدمات، فلكل وزارة رؤيتها الخاصة وبرامجها وأولوياتها.
الجغرافية وعدم اكتراث البلديات قادا للمدن المتصلة تماهت الفوارق والحدود بين بعض مدن المملكة، فتمددت حتى اتصلت بعضها ببعض في أكثر من منطقة، مثل اتصال مدينتي أبها وخميس مشيط في عسير، ومدينتي بريدة وعنيزة في القصيم، ومدن الدمام والظهران والقطيف والخبر في الشرقية؟ ويفسر المهندس نزار عبدالله بوقس ظاهرة المدن المتصلة، بعدم اهتمام البلديات بتنفيذ الطرق الدائرية حول تلك المدن ليكون التمدد العمراني بجوار تلك الطرق الدائرية، ما أدى إلى انتشار التمدد العمراني، إضافة إلى الطبيعة الجغرافية للمناطق التي تقع بها المدن والتي تحدد التوجه التنموي المفضل للتمدد العمراني من بين أنماط التخطيط التنموي للمدن. بدوره، تناول عضو مجلس عسير السابق المهندس محمد البريك اتصال مدينتي أبها وخميس مشيط عمرانياً، بقوله "هناك ندوة عقدت قبل 20 عاماً تقريباً لدراسة المشكلات الحضرية والعمرانية، أوصت بشدة باحتفاظ المدن بتكوينها وحدودها والجغرافية، وعدم ترك التمدد يتجه كيفما اتفق لأن ذلك سيصادر خصوصية كل منهما.. والمشكلة تكمن في الشق العشوائي من التخطيط العمراني، الذي لا يراعي المعايير الجيدة اللازمة للتخطيط المعتمد، والذي من شأنه إرباك الوضع العام لأي مدينة، فالتخطيط القديم لأبها مثلاً لم ينظر إلى مستقبل التوسع والتمدد العمراني ولم يدرس ويحدد اتجاهه. كما ظهرت أحياء تم تخطيطها دون مراعاة التحولات التي ستحدث للأحياء المجاورة، ونتج عن ذلك جملة من المشكلات المتعلقة بحركة السير والمرور. كما أن إيقاف التخطيط في فترة سابقة، أدى إلى ظهور المخططات العشوائية غير المصرحة، والتي لم تلتزم بالمعايير والمواصفات المطلوبة للتخطيط الجيد، ما تسبب في عدم توفر الخدمات اللازمة للأحياء، وبالتالي اضطرت الجهات المسؤولة في المدينتين إلى إعادة ترتيب الطرق كمسارات باتجاه واحد فقط، وبالتالي زيادة أطوال المسافات للوصول إلى الوجهات المقصودة داخلهما.
أراضي المدن غير المطورة تلقي الأعباء على الحكومة يرى المستشار الهندسي، عضو إدارة الجمعية السعودية لعلوم العمران، نائب رئيس هيئة المكاتب الهندسية بجدة المهندس طلال سمرقندي، أن التخطيط العمراني ينقسم إلى قسمين، حضري وإقليمي، ولكل قسم مسؤوليات ومحددات معينة، ويهتم الحضري بالأحياء داخل المدن، ويختلف عنه الإقليمي الذي يتولى إستراتيجيات المنطقة المراد تخطيطها ويحدد فيها الجوانب الاقتصادية والترفيهية والتعليمية والتجارية والسكن وشكله، ويعني هذا تحديد تخطيط أراضي الدولة خارج المدن، ويفترض أن يتولى التخطيط الإقليمي مسؤوليات المنطقة الخاصة، ومنها تحديد احتياجات المنطقة لتشمل كافة متطلبات المواطن وتوفير المستشفيات والمدارس والأسواق والجامعات والمعاهد ومحطات النقل الجماعي والمترو، وتحسب في تنفيذه الخطط الإستراتيجية على مدة زمنية تتجاوز 30 عاما. ويوضح سمرقندي أن المملكة تفتقر للإسكان حيث لم تتوافر تخطيطات مستقبلية للنمو السكاني، وقد ترك لأصحاب الأراضي داخل المدن عدم التطوير، وأوجد هذا أراضي غير مطورة بنسبة 40 إلى 50% داخل النطاق العمراني، وهذا حمل عبئا كبيرا على الدولة وأجبرها على توفير الخدمات التي يحتاجها التطوير الحديث للمدن المخططة سابقا. وتوقع سمرقندي نهوض قطاع النمو العمراني وشدة الاحتياج لمواد البناء في السنوات المقبلة، وقال "هذا يستلزم أن يخطط له بتوفير المستلزمات التي تفيد نهضة المشاريع العمرانية والسكنية، ويجب أن تحل مشكلة الإسكان بوضع أنظمة وقرارات تساعد على حل مشكلته، منها توفير التمويل والأيدي العاملة ودعم المطورين وأصحاب المكاتب الهندسية، على أن يتم تدريب العمال في مجال البناء والتشييد. المدن التابعة تخفف الضغوط عن نظيرتها القائمة يرى العضو السابق بلجنة المقاولين في غرفة جدة المهندس رائد العقيل أن التخطيط العمراني يهدف إلى تقييم الحياة العمرانية، وإيجاد حلول هندسية للمشكلات العمرانية مثل التضخم السكاني، العشوائيات، وتفاقم أزمات المرور، وتنظيم الحركة بين السكان والخدمات، ويشمل هذا مجموعة استعمالات للأراضي التي يمثلها السكن. وللتخطيط العمراني عده أشكال، منها الدائري والمستطيل والمتوازي والمتتالي، ويمثل أسلوب المدن المتتالية وقوف المطورين المخططين على نمو المدينة وحصر الإشكالات التي تواجهها، والعمل على تخطيط مدن تابعة على مسافة عدة كيلومترات من المدينة القائمة، للتخفيف من الضغط السكاني عليها، وذلك عبر نقل بعض الأنشطة المختلفة بأنواعها خارج المدينة، من منظور كيفية تشكيل المدينة وحصر مجموعة الخدمات المنفذة من استعمالات الأرض السابق تخطيطها وتنفيذها. الأهم في تخطيط المدن هو التطور العمراني الذي يبدأ على تصميم النطاق العمراني بتخطيط زمني وفق جدول محدد، بمعنى أن أهمية التنفيذ في الوقت الذي تتعهد فيه البلديات بإيصال الخدمات إلى الأراضي المراد تهيئتها للتعمير، منها الكهرباء والماء والصرف الصحي، على أن يلزم هذا أن تشمل خطة تهيئة المدينة المراد تنفيذها وفق جدول وخطة زمنية محددة، تبدأ من 5 إلى 50 سنة وتعمل الأمانات على التنسيق مع الشركات العاملة في التعمير بوضع الدراسات والخطط التي يمكن تنفيذها. ويأتي تنفيذ أسلوب المدن المتتابعة الذي يستخدم على مسافات بعيدة المدى لعدد كبير من الكيلومترات، وتتمحور أساليب التنمية العمرانية لتخطيط المدن فيه، على الملء واستغلال الإمكانات المتاحة ضمن التصميم، وفهم أساليب الزحف العمراني بشكل متتال ومستمر دون انقطاع، ويشمل هذا التوسع داخل التصميم وخارجه، ويدخل أسلوب القفز للمحددات التي تعيق طريق مرور الطرق أو وجود أودية أو طرق وعرة. ويتعين على المهندسين المنفذين للتخطيطات العمرانية المتتالية تنفيذ التصميم الأساسي، واستغلال الفراغات، وإعادة تخطيط الأحياء التي لم تعد صالحة للسكن مثل العشوائيات، وجعلها منسجمة مع التطور العمراني للموقع المراد تهيئته. تخطيط دائري يقلل الزحام في ينبع وطولي يزيد الكلفة بجدة يتباين تخطيط المدن تبعاً أحياناً لجغرافيتها وطقسها وميول البشر فيها ولعوامل أخرى، بين التخطيط الدائري، والتخطيط الطولي أو المستطيل، دون أن يعني ذلك عدم الجمع بينهما أحياناً. ويؤكد المهندس نزار عبدالله بوقس أن تخطيط المدن الدائرية يستلزم أن تكون الطرق التي سيتم إنشاؤها لتسهيل عملية التنقل ما بين أجزاء المدينة غير مستقيمة، حيث يراعى في تصميم هذه الطرق ألا تستمر استقامتها لأكثر من 3 أميال أي حوالي 5 كيلومتر، وعلى أن يلي هذه الاستقامة منحنى. إلا أن تخطيط هذه النوعية من المدن يستلزم أن تكون ضمن مناطق منبسطة مثل الجزء الأوسط من مدينة ينبع التي تشهد نوعين من التخطيط، فالجزء السكني (جهة الشمال) يغلب عليه التخطيط الدائري، فيما الجزء الجنوبي يغلب عليه التخطيط المستطيل. ويحقق التخطيط الدائري للمدن مزايا عدة، منها: يتميز بأقل نسبة ازدحام مروري لسهولة الحركة ما بين المناطق بفضل الطرق الدائرية والطرق الإشعاعية الرابطة بينها. يتميز بقصر المسافات بين المناطق وبعضها، ما يؤدي إلى قلة تكاليف تنفيذ الطرق والخدمات الخاصة بالبنية التحتية. تخطيط طولي في المقابل، فإن مدناً مثل مدينة جدة المخططة على شكل شبه مستطيل، وذلك لأنه يحدها من جهة الشرق مناطق جبلية مما أدى إلى أن يكون التمدد العمراني بها من جهة الشمال وجهة الجنوب، تبدو مكلفة، ولها عيوب عدة، منها: طول المسافات ما بين المناطق الجنوبية والمناطق الشمالية. زيادة تكاليف إنشاء الطرق وتنفيذ خدمات البنية التحتية. كثافة الحركة المرورية على الطرق الرئيسية الرابطة ما بين المناطق الجنوبية والمناطق الشمالية. كثافة الحركة المرورية على الطرق العرضية الرابطة ما بين المناطق الشرقية والمناطق الغربية. إنشاء الكباري العلوية أو الأنفاق على التقاطعات العرضية للتقليل من الإشارات المرورية وتسهيل انسيابية الحركة المرورية. وهذا نتيجة لمراعاة ميول وطبيعة البشر قد تحدد في أغلب الأحيان نمط التخطيط للمدن حيث أن أغلب المدن الساحلية تمتد على امتداد الساحل ويكون الامتداد من جهة الشمال أكثر منه من جهة الجنوب للمناطق الواقعة شمال دائرة عرض الاستواء خط الاستواء، حيث تكون هذه المناطق أبرد من المناطق الجنوبية، والعكس صحيح لما يقع منها جنوب دائرة عرض الاستواء، وينطبق هذا المنطق شمالاً حتى دائرة عرض مدار السرطان ثم نجد أن المناطق التي تقع شمال مدار السرطان تمتد فيها المدن الساحلية ناحية الجنوب أكثر من جهة الشمال، حيث تكون المناطق الجنوبية أكثر دفئاً من المناطق الشمالية.
خطط التطوير العمراني للمدن الطولية والدائرية - توفير بيئة متجانسة متكاملة الخدمات والمرافق - جذب السكان للمناطق المطورة - أهمية استغلال كافة الأراضي المطورة وتجهيزها من قبل البلديات بالمرافق والخدمات العامة - التقليل من مساحة الأراضي الفضاء داخل المخططات السكنية ويكون هذا بتوفير خطة المطورين وتنفيذها تفصيلا - تنفذ المدن المتصلة والمتعددة بأسلوب تشكيلها كمدن عمرانية متباعدة - ضرورة تحقيق استراتيجيات الاستدامة بالتصميم والتخطيط العمراني لتتحقق الربحية العمرانية منه - أهمية أن تحمل المدن العمرانية ما يعكس هويتها المحلية والحضارية ويتحقق هذا من خلال تحقيق مداخل الهوية التنموية للمدن عبر دراسة نظرية ومنهجية تخطيطية