تكمن عظمة القائد المفكر في أمور عدة، أولها تجلية الفكرة للأتباع لتصبح مفاهيمها وأدبياتها هي السقف والسياج، ثانيا الولاء يكون لهذه الفكرة قبل رموزها، ثالثا خلق نظام صارم يضمن استمرارها شعلة حية في قلوب الأتباع. على مستوى واقعنا المحلي والعربي نجد أن الرموز تختزل الفكرة في ذواتها، من خلال حضورها الطاغي على مستوى الإعلام والمجالس. الرمز في حراكنا الفكري هو الفكرة، والفكرة هي الرمز، يرسخ ذلك كتائب الأتباع التي تقدس الرمز وتنزهه وتجعله البداية والنهاية لكل منطلقات الفكرة ومآلاتها. الأتباع يعيشون حالة من الفصام مع التاريخ والواقع، الحق في أدبياتهم ما يقوله الرمز، الرمز هو دستور الفكرة وحارسها ومن يملك صلاحية نسخ بعض مفاهيمها، أو تقنينها. للرمز في ظل سطحية الأتباع وضعف مداركهم صلاحيات حركية، منها تخصيص خطاب يدغدغ عواطف البسطاء من منظومته، ليبقيهم متحفزين للنفير في سبيل شخصه وكاريزماه. هذا الخطاب يرتكز على مبدأين، الأول صناعة عدو في ظاهره أنه عدو للفكرة، وباطن الأمر هو عداوته للرمز ومنافسته له على كعكة الأتباع ومساحة التأثير. الثاني تجييش بعض وحدات الكوماندوز الفكرية لمنابزة وشتم الرموز المقابلة، واحتساب الفضل على ذلك، ليكون الإيغال في القدح والسب معيارا لعلو التبع وصعوده على سلم مجد الفكرة وكسب رضى رمزها وهيئة أركانه. كل ذلك يرسخ هيمنة الرمز ويبقي الأتباع في حالة من التعبئة العامة. الرمز يسبق الفكرة ويصبح الأكثر حضورا في الدوائر العميقة للقطر والمجتمع، الرمز يخرج من كونه مجرد صورة الغلاف للفكرة، ليصبح متنها وهامشها وفهرسها. أخيرا ماذا عن الأتباع؟ والأتباع هم المغلوبون على أمرهم، وقود حرائق الرمز، مآلهم إلى النسيان، لأنهم زبد الفكرة، والزبد "يذهب جفاء".