تقوم المملكة على منهج ديني وسطي، يحفظ كرامة الإنسان فيها ويكفل حقوقه، بناء على نصوص دينية بنّاءة، وهبت لها أجهزة متخصصة تعمل في منظومة واحدة لتحقيق ذلك، ولعل جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أحد أهم هذه الأجهزة، والتي يُفترض أن تقوم بدور في الإصلاح السلوكي المجتمعي والمبنى على أنظمة حكومية تتماها مع النصوص الدينية ومُسمى هذا الجهاز، إذ يكمن دورها في منع وقوع الجريمة أو المنكر أولا، أو أي سلوك مُشين من جهة، علاوة على دورها في الإرشاد والتوجيه والتوعية من جهة أخرى، ليصبح جهاز إصلاح يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويكون جهازا توعويا بالدرجة الأولى تحت مظلة الستر، وليس جهازا سلطويا. لكن، يخرج بعض رجال هذا الجهاز بين الفينة والأخرى ببعض السلوك الذي يخالف معنى الأمر للمعروف بالمعروف، وهي لا تخفى عن الجميع لدرجة أصبحت حديث الشارع، إذ انقسم الناس إلى قسمين: مستنكرون يطالبون بإلغاء هذا الجهاز، ومؤيدون يطالبون ببقائه، في الوقت الذي تُبرر قيادات جهاز الهيئة بأنه سلوك شخصي، لا يمثل أنظمة وصلاحيات الهيئة. وهنا، لي وقفة هي مربط الفرس، فإذا كانت تلك التصرفات التي يبتذلها بعض منسوبي الهيئة لا تمثل هذا الجهاز، فكيف إذن تزايدت وتطورت ولماذا؟! إما لعدم وجود عقوبات ردع كافية، وإما لعدم وجود أنظمة صريحة محددة ومؤطرة لهذا الجهاز، تجعلهم يتعاملون مع أي قضية حسب أهوائهم ومزاجياتهم ونفسياتهم، يستغلون فيها فرض التسلط والهيمنة. فليس من الطبيعي والمنطقي أن تكون كل تلك السلبيات السلوكية مجرد تصرفات شخصية، خصوصا أن معظم قضايا الهيئة تنحصر وتسود في النهي عن المنكر فقط، قبل الأمر بالمعروف، كقضايا الشباب والشابات ومهما بلغ حجم الجدل إلا أن الشباب ليسوا بهذا السوء، فهم حماة الوطن، وهم من يحملون أعمدة البناء فيه، علما بأنني لست من المعارضين لهذا الجهاز، بل من المؤيدين لبقائه، فهو جهاز مهم، ولنبلاء فيه أنشطتهم الفاضلة والإصلاحية، ولكن يجب أن يكون وفق نظم ومعايير إيجابية ووسطية محددة وواضحة وصريحة، يتم الإعلان عنها والتصريح بها، كي يسير الجميع عليها وفق إيقاع واحد يخدم الجهاز والمواطن، لتمكّن العاملين فيه من العمل والتعامل وفق ضوابط تلك الأنظمة والمهام من جهة، وتضمن استجابة الناس من جهة أخرى، وتسد بابا لانقسام المجتمع أو استغلال الحاقدين على بلادنا.