عنوان المقال مقتبس من مقدم برنامج النفط والطاقة الذي تشرفت بالاستضافة فيه منذ فترة على قناة CNBC عربية. رغم أن هبوط النفط ليس هو الأول من نوعه فقد شهدت السوق النفطية نزيفاً حاداً مشابهاً لهذا الهبوط وأسوأ منه، ففي عام 1999 وصلت الأسعار إلى حاجز متدن حيث بلغت 16 دولارا للبرميل الواحد، وفي العام الذي قبله هبطت إلى 10 دولارات في ظل ذروة الأزمة المالية، غير أن المرحلة الحالية تشهد معطيات جعلت من تسعيرة النفط الهم المشترك عند الغالبية. بنوك وشركات كبرى أطلقت تحذيرات عن عودة مستوى 10 دولارات للبرميل من جديد، الأمر الذي يجعل الدول النفطية في مأزق حقيقي بعد ظهور تدهور الأسعار منذ أواخر 2014 بسبب فائض الإمدادات وركود الطلب. صرح بنك ستاندرد شارتد: "إن بوادر توقف السعر عند حد لا يهبط دونه لا تلوح في الأفق". بدورها أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي "كرستيان لاجارد" قولها: "عوامل العرض والطلب ترجح بقاء الأسعار منخفضة لفترة طويلة". يعزى هذا الهبوط لما يسمى "أساسيات السوق" المتمثلة في التفاعل بين العرض والطلب لكن كثيرا من المحللين يشكك في هذا الأمر ويربطه بعوامل سياسية. من يتجهون إلى الرؤية السياسية في هذا الهبوط الحاد يجمعون على أن ما يجري "عقابا جماعيا" لاقتصاد الدب الروسي للضغط عليه اقتصادياً بسبب موقفه من القضية الأوكرانية والأزمة السورية، غير أن "لذة العقاب" هذه زادت عند كبار منتجي النفط في العالم والولايات المتحدة بعد شروع روسيا ميدانياً في سورية. الأمر السياسي الآخر هو معاقبة إيران لاسيما بعد رفع العقوبات المفروضة عليها مما أصبح لديها القدرة الأكبر على بيع نفطها في الخارج مبديةً عزمها في زيادة صادراتها النفطية لاستعادة حصتها السوقية ك"ثاني" أكبر منتج في منظمة أوبك. القضية الأهم في مسألة حرب الأسعار هذه هي قضية النفط الصخري التي أقلقت منتجي النفط التقليدي حين شرعت شركات نفط صخرية بحفر 120 ألف بئر صخرية في أميركا الشمالية مستفيدة بذلك من ارتفاع سعر النفط الأحفوري، مما يُعد تهديداً فعلياً لمنظمة أوبك ومنتجيها، الأمر الذي دعا هذه الدول لخفض السعر لحماية نفطها في سبيل جعله أكثر جاذبية للمستهلك في العالم. غير أن المزايا تبقى لصالح النفط التقليدي من حيث التكلفة والأضرار البيئية، ففي حين تتراوح تكلفة النفط الصخري من 65-80 دولار للبرميل يقابله 6 دولار لبرميل النفط التقليدي، وفي الجانب البيئي، يكلف استخراج برميل صخري واحد حوالي برميلين من الماء زائداً 1.5 طن من الصخور، ونتيجة لهذا فقد كشف جيولوجيون شبهة بين استخراجه وبين زيادة الزلازل في أميركا. هذه المعطيات تبقى تقديرات آنية واحتمالات مستقبلية غير أن الأمر يختلف نوعياً فيما لو ظهرت تقنيات جديدة تسهل عملية استخراج النفط الصخري اقتصادياً وتقلل من أضراره بيئياً مما يُعد صداعاً مزمناً للمهتمين بالنفط والطاقة خاصة في دولنا الخليجية. وهنا يجب أن ننوه إلى أن الحديث عن النفط الصخري ليس لأنه اكتشف حديثاً، بل للارتفاع الذي شهدته سوق النفط التقليدية حين تجاوزت سقف ال 100 دولار، الأمر الذي حدا بالشركات المعنية للالتفات مجدداً نحو النفط الصخري المتواجد منذ القدم، غير أن تكلفته الباهظة أضعفت الإقبال عليه آنذاك. صحيح أن الأضرار الاقتصادية طالت وستطول المنتجين في أوبك التي تمثل ثلث الإمدادات العالمية، بيد أن النظر لعواقب الأمور هو الذي يدفع بتلك الدول وعلى رأسها السعودية لتحمل الأضرار مقابل تحقيق الأهداف المتمثلة في ضرب العدو اللدود "النفط الصخري" وكذلك المواجهة الاقتصادية مع روسياوإيران. ونختم بالتفاؤل والإيجابية من تصريح المهندس علي النعيمي منتصف هذا الشهر (يناير): "الأمر سيستغرق بعض الوقت لاستعادة الاستقرار بسوق النفط العالمية، متفائلين بالمستقبل والعودة لاستقرار السوق وتحسن الأسعار والتعاون ما بين المنتجين".