في ذكرى يومها العالمي "14 فبراير" تعود القصة القصيرة إلى واجهة النقاشات الأدبية، حيث يرى بعض القاصين والنقاد، أن من أبرز مشكلات هذا الفن الأدبي الراقي دخول بعض أصحاب الأقلام الضعيفة والدخلية التي استغلت فن القصة القصيرة جدا على وجه الخصوص. فالقصة القصيرة جدا انتشرت في الآونة الأخيرة، نتيجة التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم العربي، وبروز الصراعات والأزمات النفسية، حيث انسجم إيقاع القصة القصيرة مع هواجس الإنسان، ويدل على ذلك كثرة الإصدارات في الفترة الأخيرة. أدوات ضعيفة طالما أن الكاتب يمتلك أدواته فهو قادر على إنجاز نص مميز بغض النظر عن جنسه، القضية مع الذين لا يمتلكون هذه الأدوات، وبعضهم للأسف يسمون كسفراء ل" ق ق ج". هؤلاء يكتبون القصة القصيرة جدا بأدوات ضعيفة معتمدة على آليات ال"ق ق ج" المعروفة وأولها عداد مؤشر الكلمات، ويرسمون مربعا بزوايا أربع ثم يعبئون الفراغ بالبلاطات التي يسميها النقد للنص القصير جدا، مثل بلاطة المفارقة كمثال تعيس على إنجاز "ق ق ج" !، أوبلاطة التضاد التي تشبه رجز الشعر في عصور الانحطاط، أحيانا حين أُنهي قراءة مثل هذه النصوص أشعر بشيء يشبه الخيبة.! هذه الصنعة في كتابة ال"ق ق ج" تشعرني بالخيبة من موجة ما يسمى بالقصة القصيرة جدا ربما لأن هؤلاء الذين يكتبون نصوصا وفق مؤشر عداد الكلمات، لم يجربوا شيئا سوى الانكماش في مربع القصة القصيرة جدا، ولم يتمددوا في نص عميق يخرجون فيه فيسفساء أرواحهم من هذا الانكماش الذي يروج له النقد الذي صنع نصوصا رديئة للأسف وروحا لموجة باهتة في السرد. ليلى الأحيدب- قاصة وروائية انتشار سريع تحتل القصة القصيرة مكانة متميزة بين الفنون الإبداعية عموما وفنون السرد خصوصا نظرا لقدرتها على الانتشار لما تتسم به من تكثيف وإيجاز. إن العصر الذي نعيشه عصر السرعة، ويتميز بإيقاع سريع يلف الإنسان المعاصر ويهيمن على حركته، ولم يعد قادرا على المكوث لساعات طويلة للقراءة كما كان في السابق فتأتي القصة القصيرة للتناغم مع هذا الإيقاع وتنسجم مع هواجس الإنسان في عصره الجديد. كما أن القصة القصيرة تطاوع الأوعية التقنية مثل الواتس والتلجرام، وتتمكن من التسلل إلى القارئ وتشبع رغبته ومتعته بالحياة في العوالم السردية التخييلية هذا يمنحنا ثقة بمستقبل القصة القصيرة وموقعها في خارطة الفنون في اللحظة المعاصرة. عبدالحميد الحسامي - أكاديمي وناقد استسهال الكتابة لا نستطيع القول: إن وسائل التواصل هي من أوجد القصة القصيرة جدا، إذ إن هذا النوع القصصي كان موجودا من قبل ظهور وسائل التواصل، ولكن وسائل التواصل - دون شك - ساهمت في انتشار ال"ق.ق.ج" كتابة وقراءة، لأن طبيعة وسائل التواصل تقتضي الاختصار والتكثيف، إما لطبيعة قرائها الذين لا يحتملون الإطالة، أو لأن بعض هذه الوسائل يحدد حمولته بعدد معين من الحروف، كما هو حال "تويتر". وهذا ما شجّع بعض كُتّابها إلى استغلال وسائل التواصل لنشرها، أو كتابتها، أو نقل النصوص التي تروق لهم من مصادرها الأصلية إلى وسائل التواصل، لتصل إلى متلقين جدد. وقد صاحب هذا - كما هو الحال في كل ظاهرة جديدة - استسهال بعض رواد مواقع التواصل لكتابة القصة القصيرة، فجربوا كتابة هذا النوع القصصي، دون علم بالقصة القصيرة أصلا، فنجدهم ينشرون قصصا مبتورة لا تحمل فكرة، ولا تصور مفارقة، ولا تحدثُ دهشة. كما أن بعض رواد التواصل يكتبون شذرات لا يتعمدون تصنيفها قصصيا، ولكنها تأتي ممثلة لهذا الفن في صورة مقبولة، وقد يبلغ الأمر أن تكون مدهشة. إبراهيم مضواح - قاص القصة سرد حياتي القصة هي الحياة بشر وكائنات وترابط أرواح في التاريخ القصصي استنطقت الحيوانات لوعظ البشر اليوم تتحدث الحيوانات عن ذاتها لذاتها، وكذا تعزز المنحى البيئي والحقوقي أسوة بالتلاقي الكوني المعلوماتي، وبدأت القصة العربية تنفض عنها أصفاد الرومانسية والواقعية لترسم أشكالا قصصية أكثر رشاقة في الشكل، وصار الإنسان وحياته الروحية والنفسية محورا مهما وخفت الزمان والمكان لصالح بشرية النص فهناك القصة والقصة القصيرة والقصيرة جدا "ق ق ج" تناولت كل الموضوعات مثلا النص المرعب "لادغار ألن"، "أو تجربة همنجواي لكتابة أقصر نص من ست كلمات"، "للبيع حذاء طفل لم يلبس قط"، أو "تجربة آخر رجل في العالم" وهي قصة فردريك براون تتحدث عن حياة آخر رجل في العالم، وهو نص قصير يحمل دلالات فلسفية عميقة. وفي العموم موضوعات القصة هي موضوعات الحياة بمكونها الحي والجامد المرئي والهلامي والمُتَخيّل كل ذلك مع آلام البشر من البشر أو من الحظ العاثر، القصة اليوم تُكتب للأسف في واقعنا البدائي الدموي الوحشي المتطرف لكنها تحمل صراخا يختلف نوعا وكما وينتظر نقدا خصيبا لتزهر مروجه. أحمد القاضي - قاص ازدهار القصة المتابع لفن القصة القصيرة في الآونة الأخيرة في العالم العربي يلحظ ازدهارا لها، على النحو الذي شهدته فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لا سيما عقب نكسة 67، غير أن هذا الانتشار فيما بعد نكسة 67 لم يستمر طويلا فقد انحسرت في مطلع السبعينيات واستمر هذا الانحسار لفترة طويلة. ويرجع ذلك لأسباب متعددة منها ما يتعلق بإحجام دور النشر عن نشر المجموعات القصصية قياسا بالرواية، ومنها ما يتعلق بالتهميش النقدي لها، ومنها، فضلا عن هيمنة الرواية فيما عُرف ب"زمن الرواية " أو أن الرواية أصبحت ديوان العرب. لكن مع التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدها العالم العربي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 أدت إلى بروز صراعات وأزمات على المستوى النفسي، ومن ثم وجد المبدعون أن فن القصة ربما يكون الفن الأقدر والأمثل للتعبير عن هذه الأزمات والصراعات. عاد فن القصة من جديد للظهور ولكن عاد هذه المرة بملامح أخرى لعل من أهمها "القصة القصيرة جدا، أو القصة/ القصيدة، التي تقترب لغتها من اللغة الشعرية بما تمتلكه من تكثيف واعتماد على اللقطة والمفارقة". لعل من الأشكال الدالة على ازدهار فن القصة في الآونة الأخيرة كثرة الإصدارات، وما نراه من اهتمام بفن القصة القصيرة، والذي يظهر في انعقاد المؤتمرات والندوات، وتخصيص جوائز لهذا الفن. جمال محمد عطا - أكاديمي وناقد