كان علماء الفلك في مملكة بابل القديمة سابقين لعصرهم إذ استخدموا أساليب هندسية متطورة هي نفس التقنيات التي لا تزال تعتبر حتى الآن إنجازا ينسب لعلماء العصور الوسطى في أوروبا. هذه هي خلاصة دراسة نشرت أول من أمس وتضمنت تحليل أربعة ألواح من الطين ترجع إلى الفترة بين عامي 350 و50 قبل الميلاد بها نقوش باللغة المسمارية البابلية القديمة التي تشبه حروفها الأوتاد وهي تصف كيفية تتبع مسار كوكب المشترى أثناء عبوره الفضاء السحيق. وقال أستاذ التاريخ القديم بجامعة همبولت في برلين ماثيو أوسندريفر "لم يكن أحد ليتوقع ذلك" وأشار إلى أن الأساليب المتبعة في الألواح الطفلية كانت متطورة لدرجة كبيرة على الرغم من أنها تسبق بوقت طويل ظهور علم التفاضل والتكامل وتبشر به. وقال أوسندريفر "هذا النوع من فهم العلاقات بين السرعة والزمن والمسافة كان يعتقد أنها لم تظهر إلا في حوالي عام 1350 بعد الميلاد". وأضاف أن هذه الأساليب تماثل ما استخدمه علماء القرن الرابع عشر الميلادي بكلية ميرتون التابعة لجامعة أوكسفورد. وبابل مدينة مهمة في حضارة ما بين النهرين وتقع حاليا بالعراق على بعد 100 كيلومتر إلى الجنوب من العاصمة بغداد وكان كوكب المشترى مرتبطا بالإله مردوخ (نمرود بالعربية)، كبير آلهة قدماء البابليين، وكان أساسا إلها لمدينة بابل. وأضاف أوسندريفر أن علماء بابل نقشوا على الألواح مواضع الكواكب بطريقة حسابية. مساحة الشكل الهندسي ومضى يقول "رصدوا المواقع اللازمة لوضع خرائط البروج والحظ التي كان الزبائن يطلبونها وكانوا يعتقدون في الرأي القائل بأن كل شيء على وجه الأرض -من منسوب مياه الأنهار إلى أسعار السلع بالأسواق مثل الحبوب والطقس- كلها مرتبطة بحركة الكواكب. لذا فإن رصد هذه الحركة والتنبؤ بها يمكنهم من توقع ما يدور على الأرض". وأشار إلى أن هذه الألواح نفسها لم تشر من قريب أو من بعيد إلى هذه التطبيقات الفلكية. الألواح الأربعة التي عثر عليها عام 1880 كانت مخزنة في المتحف البريطاني بلندن فيما كانت النقوش المسمارية مطبوعة بشكل غائر قليلا في الطفل بأعواد الغاب وربما كانت الألواح مخزنة في مكتبة علمية لأحد الفلكيين أو في معبد. وقالت الدراسة التي نشرتها دورية (ساينس) إن الألواح تضمنت حسابات هندسية تقوم على أساس مساحة الشكل الهندسي شبه المنحرف وعلى القاعدتين العريضة والضيقة له، وكان يعتقد أن الفلكيين في بابل لا يعتمدون إلا على المفاهيم الحسابية وليس الهندسية. يذكر أن قدامى الإغريق كانوا يستخدمون الحسابات الهندسية أيضا لكن ألواح بابل كانت تستخدمها بصورة مجردة أكثر تعقيدا.