رغم أن الآثار الحقيقية للاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة الدول "5+1"، لا يمكن قياسها إلا بعد عدة سنوات، إلا أن فترة الأشهر الستة التي تلت توقيع الاتفاق أظهرت العديد من الإشارات لنتائج ذلك الاتفاق. ويشير مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط بمركز الأمن الأميركي الجديد، إيلان جولدنبرج، في التقرير الصادر قبل أيام، على موقع "ذا ناشيونال إنتريست" إلى أنه رغم أن الإيرانيين انتقلوا بسرعة لتفكيك البرنامج النووي، فإن على واشنطن الاستمرار في مراقبة ومساءلة طهران، لانتزاع تنازلات أبعد من نطاق الاتفاق التقني نفسه. وحسب جولدنبرج، فإن تقييم عواقب الاتفاق على النظام السياسي داخل إيران قد يأخذ سنوات عدة، لا سيما الصراع بين المتشددين والبراجماتيين، لكن المقياس الثانوي لنجاح الاتفاق قد يظهر الشهر المقبل، مع نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية. الأهم من ذلك هو متابعة الآثار الإقليمية للاتفاق التي بالقطع لم تحقق أي نجاح يذكر، حيث زادت الاستفزازات الإيرانية للدول العربية، فضلا عن التوتر المتصاعد في أكثر من دولة بسبب سياسات طهران، كما شجع الاتفاق على التدخل العسكري الروسي في سورية. وعلى ذلك فإن فترة ستة أشهر كافية لاتخاذ الولاياتالمتحدة موقفا أكثر حزما من ذي قبل مع إيران، وبذل مزيد من الجهد لطمأنة الحلفاء العرب، والتعهد بدحر أي تجاوز أو سلوك سيئ لجارتهم اللدودة.
انتهاكات وتضارب إذا كان أهم مقياس لمدى فعالية الاتفاق هو تفكيك إيران لبرنامجها النووي قبل الربيع أو الصيف المقبل، فإنها حققت هذا الهدف الأول في يناير الجاري، عن طريق شحن 25 ألف رطل من اليورانيوم منخفض التخصيب إلى روسيا، لكن طهران انتهكت في نفس الوقت قرارات مجلس الأمن الدولي، حين أجرت تجربة استفزازية على صاروخ باليستي، أما موقف الرئيس الأميركي أوباما فقد كان مرتبكا كالعادة، إذ أرسل إشارات متضاربة عندما أخطر الكونجرس بضرورة فرض عقوبات جديدة تستهدف برنامج إيران الصاروخي، ثم عاد وتراجع عن ذلك. وهكذا ظهر نهج إيران في الأشهر الستة الأولى من توقيع الاتفاق، حيث لا تركز على الخداع في الالتزام ببنود الاتفاق، ولا التلاعب في أزمنته المحددة، إنما تلجأ للالتفاف حوله بتوسيع مساحة الفوائد من هذا الاتفاق عسكريا، وبالتالي سيكون التحدي الأكبر بالنسبة لأميركا وشركائها هو "الحزم"، وعدم السماح لإيران بتفسير بنود الاتفاق النووي ومغزاه على هواها.
تساؤل صادم التطورات السلبية في منطقة الشرق الأوسط على مدى الأشهر الستة الماضية بلغت ذروتها بإلاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في إيران، ما دفع المملكة إلى قطع العلاقات الدبلوماسية. أضف إلى ذلك أن تدخل إيران طائفيا وعبر الوكلاء، في سورية، والعراق، واليمن، ولبنان لم يتغير، بل ازداد توغلا. أما ردود أفعال المملكة بعد الاتفاق النووي، فهي مدفوعة بتصاعد انعدام الأمن وعدم الاستقرار في المنطقة، فضلا عن ميل واشنطنلطهران، الذي ينبئ ببداية شراكة أوسع، كما أن التدخل العسكري الروسي في سورية، بعد إنجاز الاتفاق النووي، زاد الموقف الإقليمي تعقيدا، فمن الناحية التكتيكية فشل الروس في تحقيق أهدافهم العسكرية المعلنة بسورية، الممثلة في القضاء على الإرهاب، بينما أنقذ هذا التدخل نظام الأسد من السقوط.
إستراتيجية شاملة أما عن التعاون بين الولاياتالمتحدةوإيران في القضايا ذات المصالح المشتركة، وحسب جولدنبرج، فإنه يجب أن لا يكون على حساب الحلفاء التقليديين في المنطقة، وأن لا يغيب عن القادة في أميركا منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، بمختلف أشكالها ودون التفاف، وهو بالطبع السبب الرئيسي لهذا الاتفاق، ولن يتم ذلك دون سياسة استباقية شاملة ومتكاملة، تضمن للولايات المتحدة أن تأخذ ميزة استراتيجية تتجاوز بنود الاتفاق النووي.