تلمسون فيما بين السطور مقتطفات لبعض مديري العموم ممن لم يحسنون التعامل مع "الكرسي" ولم يخلفوا وراءهم سيرة عطرة، أو مواقف طيبة تجعلنا نشهد لهم بصدق العطاء، ولعل هذه الكلمات تحمل من كان منهم على رأس العمل إلى إعادة النظر وتحثه إلى التغيير الإيجابي في التعامل مع الجمهور. المدير الذي نرمز إليه ب"علة العلل" يمتلك علاقات ضخمة في النفوذ إلى تلبية طلباته بضغطة "زر"، ويحظى بشعبية جارفة بين زملاء العمل.. همه الأكبر توطيد العلاقات لمصلحته مع مديري الإدارات الخدمية التي أسهمت هي الأخرى في منحه كثيرا من "الدروع" التي تزين مكتبه ومجلس منزله الفخم! يحضر المناسبات وهو في قمة السعادة، فمكانه "صدر المجلس" وهو فارس المكان، وأحيانا تؤخر وجبة العشاء حتى حضوره في ساعة متأخرة ويتحجج بإنجاز بعض الأعمال المكتبية، ولو بحثنا عن مسببات التأخير لأتضح لنا أنه كان في زيارة لبعض زملاء المهنة من "المصلحجية" الذين يمتلكون مهارة عالية، وقوة مغناطيسية يجذبون من خلالها "المدير" ويحفظون عنه أعمق الأشياء حتى "النكتة"! لا يخطو خطوة بعيدا عن أعينهم إلا وهم يلتفون من حوله. ونأتي إلى الموقف المؤثر- لا يفوتكم- حينما يتعرض بعض أفراد أسرة المدير "علة العلل" إلى وعكة صحية فيتحدث مع المسؤول بالمستشفى بأنانية مفرطة وبلغة التعالي في الساعة التي يتطلب فيها الموقف طلب الشفاء من الله والتلطف في القول، فيجيش المدير الآخر في المنشأة الصحية الأطباء من حوله ويتجاوز بذلك الأخلاق المهنية والطبية لصد سهام المصادمات والتشبث بالكرسي، فهو لا يجلس على مقاعد الانتظار كغيره من المرضى. هذا من بعض الواقع المرير للمدير "علة العلل"، ومن باب "استروا ما واجهتم" أغمضت العين عن "المخمخات"، فمن يجفف ما يقطر من دموع ابنتي الصغيرة "فطوم" عندما يؤخذ بتلابيب ثوب صاحبكم...؟! ونعرج في الأخير على بعض مواقف الانفصال عن الكرسي عندما تتصرم خيوط نهاية الخدمة "قاصمة الظهر" للمدير "علة العلل" الذي كان يضرب بهموم المراجعين "عرض جدار المكتب المزين بالورق الفاخر"، فيبدأ يسمع عبارات السخط، ويفقد موجات التصفيق الحارة التي يتردد صداها في أرجاء المكان. ويترجل من التلال الشامخة بهدوء إلى قاعة المراجعين البسطاء.. ويأخذ دوره كأي مواطن تحت ظل التعليمات. لذلك كله عاملوا الناس كما تحبون أن يعاملوكم.. وتخلصوا من غطرستكم، والأناقة المزيفة التي يختفي خلفها الإهمال.. واستبدلوا الكلمات الجافة بأخرى تشع بالتواضع، والترحيب بمتلقي الخدمة، وتنازلوا عن مصالحكم الشخصية، فجمال الكرسي لا يدوم.