لم يكن مساء أيرلنديا عاديا كمساءات هذه الجزيرة القصية في غرب أوروبا. ذلك أن آلاف المبتعثين والمبتعثات أرادوها ليلة سعودية خالصة. في احتفالية سنوية عودنا عليها أصدقاؤنا الأوفياء للفرح والبهجة والوطن في نادي الطلبة السعوديين. احتفالية رعاها القائم بأعمال سفارة المملكة في أيرلندا الأستاذ سعيد الشهراني. وبحضور ومتابعة من سعادة الملحق الثقافي في أيرلندا الدكتور خالد العيسى. مساء اجتمعنا فيه "كسعوديين" تحت راية التوحيد الخفاقة مستلهمين دروس التضحية في ذكرى التوحيد العظيم. "نحمد الله جات على تمني" وكما أراد مؤسس هذه البلاد المغفور له الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود. ها هي مملكته التي ركب ورجاله من أجلها الصعاب، وشقوا من أجلها الصحاري القفار، وصعدوا شواهق الجبال، ونزلوا بطون الأودية والشعاب. ها هي مملكتنا اليوم في ذكرى توحيدها الخامسة والثمانين تتجلى في جمال وألق، وتنبض بشباب ووهج. ها هي السعودية أكثر توثبا وتطلعا نحو المستقبل الأجمل. وها هم السعوديون في أيرلندا وأينما حلوا وارتحلوا على امتداد خارطة العالم يحملون وطنهم معهم في قلوبهم. يقف ابن الوطن في الجنوب ببسالة ليذود عن أرضه وعرضه. فنشعر نحن في بقعة أخرى من العالم بحجم مسؤوليتنا، إذ اختارنا الوطن كي نكمل مسيرة التنمية علما وعملا. إن حب الوطن لا يتأثر ببعد المسافة ولا يتغير بفارق توقيت. في إحدى قاعات دبلن كان جليا حالنا كسعوديين. كل منا تغنى بالوطن على طريقته. تمازجت العرضة النجدية بالخطوة الجنوبية بالمزمار الحجازي. وسط تفاعل من أصدقائنا الأيرلنديين والأوروبيين والعرب والخليجيين. كان فرصة كي نبوح لك أيها الوطن باعتزازنا بك، كي نخبرك بأننا نزداد شوقا إليك كلما ابتعدنا عنك، نحملك لا مجرد جواز للسفر بل بمثابة الروح من الجسد. يا وطني ولدت فيك أحلامنا صغارا ، وارتحلنا كي نحققها من أجلك كبارا، أنت العبارة الأجمل، ونحن كلماتك المفردة، ومن أجلك نغني أنشودة العزة والكرامة. يا وطني، نتذوقك شهيا مع كل رشفة قهوة عربية أصيلة، ونشعر بك في ثنايا تفاصيل حياتنا وقسمات وجوهنا. نعشقك من قلعة "مارد" شمالا حتى قلعة "الدوسرية" جنوبا، نعشقك للرمق الأخير من دم شهيد بات يحرسك. لا نساوم فيك فأنت الأغلى، ولا تغرينا ناطحات السحاب فأنت الأعلى، ولا تسرقُ لبّنا الحضارة فأنت الحضارة. احتفالية نادي الطلاب السعوديين في دبلن وبرعاية مشكورة من الملحقية الثقافية بسفارة المملكة في أيرلندا، كانت بهيجة إلى الحد الذي تناسينا معه أننا على بعد مسافة شاسعة عن تراب الوطن! عجبا كيف استقبلنا فريق النادي بالابتسامة وأكرمونا بها وغادرناهم ولم يزالوا يبتسمون. استقطعوا من أوقاتهم الثمينة كي يصنعوا فرحة وطن عزيز ويعكسوا ثقافة شعب أصيل.