بدا شاعر عكاظ الشاعر شوقي بزيع منفعلا عند صعوده إلى المنصة، في أمسيته التي قدمها أول من أمس على مسرح عكاظ، وأدارها سعيد علي آل مرضمة، وذلك بعد أن تأخرت لنحو ساعة، مطالباً باحترام الوقت المحدد لكل فعالية، وألا تأخذ كل فعالية ثقافية وأدبية أكثر من وقتها المسموح به، وكان من المقرر أن تنتهي فعاليات الندوة النقدية في تمام الساعة الثامنة ولكنها تأخرت نحو ساعة عن وقتها المحدد لها، مما اضطر شاعر عكاظ أن يختصر في نصوصه التي ألقاها في الأمسية. وأشار شوقي بزيع إلى أنه لا يعتقد أن الشعراء الذين يؤخذون بنشوة الظفر بالجوائز شعراء حقيقيون. وعن حصوله على جائزة شاعر عكاظ، قال بزيع "طبيعي أن تكون الجائزة شكراً وشداً على اليد ووساماً على صدري وتحية لي من أصدقائي بالمملكة، وبنفس الوقت أشعر بالكثير من التعب والمسؤولية بأنه لا بد أن يكون لدي مناعة ضد هذه الجوائز، وربما سوف أختبر قدرتي على كتابة الشعر بعد عودتي، موضحا أنه لا يصلح لشيء سوى الشعر. وحينما اعتلى بزيع منصة مسرح سوق عكاظ في الأمسية قال "هناك يوم بؤس ويوم عيد كما قال عمرو بن هند في مسرحية البارحة، مشيرا إلى أن الجميع أرهق وتعب من الانتظار وطول الندوة النقدية لشعر طرفة بن العبد، مبينا أن الندوة كانت قيّمة إلا أنها لم تلتزم بالوقت المحدد لها، وأضاف أنه سوف يختصر الأمسية الشعرية للحد الأقصى. وبدأ أمسيته بقصيدة عنوانها "الشاعر" جاء فيها: دائمًا يكتبُ ما يجهله دائمًا يتبعُ سهماً غيرَ مرئيٍّ ونهرًا لا يرى أوَّله هائماً في كل وادٍ ينهرُ الأشباحَ كالماعز عن أقبية الروح وكالساحرِ يلقي أينما حلَّ عصا الشكِّ ليمحوَ بعضُه بعضًا مقيمٌ أبدًا في شبهة البيت ولا بيتَ لهُ كلما همَّ بأن يوضحَ يزدادُ غموضًا وبأن يفصحَ يزدادُ التباسًا والذي يكتبه يحجبه هو يدري أن بعض الظن إثمٌ ولذا يومئُ للمعنى ولا يقربه، يدَّعي الشاعر أن الشعر ذئبٌ فيقول الناسُ: إن هو إلاّ شاعرٌ والشّعر أضغاثُ رؤىً خادعةٍ أعذبُه أكذبُه. وألقى بزيع قصيدة أخرى بعنوان "الأربعين" وأهداها لذكور القاعة، قائلا "باعتبار أن النساء لا يبلغن هذا السن" وجاء فيها: أن تكون على قمة العمر من دون ثقل، لكي تتوازن في راحتيك الخسارة والربح أو تتوازى على جانبيك الرياح الحرور أن يتقاسم تركة روحك ضدان طفل وكهل وصعود وسهل ووقار وجهل وأن يتعاقب في لحظة فوق سطحك صيف ندي وسيف الجنون أن تعود إلى أول النبع كي ترتوي ثم لا تبلغ الماء، أو تبلغ الماء بعد فوات الأوان ثم ألقى قصيدة ثالثة بعنوان "الأعمال الكاملة" وذكر أنه قال هذه القصيدة بعد أن صدرت أعماله الكاملة قبل أربع سنوات، مشيرا إلى أنه نظر لنفسه وحياته فوجدها كلها عبارة عن مجلدين صغيرين في مكتبة هائلة قال فيها: كان لا بد كي يدخل "النهر" في الشعر أن يفقد النهر لا بد لكي يدخل "الحب" أن يفقد المرأة المشتهاة... ومن حيث لم ينتبه كان يبهجه أن يخون المسمى لكي يربح الاسم أو أن يرى في الكتابة ما لا يرى، في تفجر مجرى الحياة الحقيقي. وختم بزيع أمسيته بقصيدة من ثلاثة أجزاء وعنوانها "قمصان يوسف"، مشيرا إلى أن هذه القصيدة تعد محاولة منه لقراءة شخصية النبي يوسف عليه السلام من خلال القمصان، وقال إن هناك ثلاثة قمصان تعبر عن شخصية النبي يوسف وهي قميص مصبوغ بدم كاذب وهو قميص التجربة، والثاني القميص الذي مزقته زليخة من الخلف في أول حرب من نوعها بين الرجال والنساء وسميته قميص الشهوة، والقميص الثالث وهو القميص الذي أرسله يوسف مع إخوته إلى أبيه حينما كان في مصر، وكان يعقوب أعمى فأبصر وسميته قميص الرؤيا، مما جاء في قميص التجربة: قبَّرات الحقول تقافُزُ قلب الثعالبِ حول الينابيع، نومُ النمالِ الطويلِ على طرقات الشتاء، عراكُ المجرَّات من أجل نجم تغازله الشمسُ من خلف ظهر الفَلَكْ كلها الآن تسجدُ لك كلها الآن تجثو على قدميك الإلهيتين، ميممةً شطرَ أهدابك السود، مسرعةً كي تقبلَ ثغر الهلال الذي قبَّلك وجاءت هذه الأبيات والتي اختارها من "قميص الشهوة" قال فيها: حين عدتُ من البئرِ أحسستُ أني أعودُ غريبًا كمن مسَّه من نسيم الألوهة برقٌ خفيفُ يباعدني عن يدي ملاكانِ لا يبصرانِ سوى شبحي فيهما وتسبح صحراءُ من خجلٍ في عروقي ولكنني منذ أبصرتها ضاق صدريَ بي فأسلمتُ خوفَ أبي للذئاب ولحيته للرياحِ وفي ختام الأمسية سأله مديرها مرضمة بقوله هل عذبك الشعر؟ فأجاب بزيع بقوله "لا يوجد شيء جميل إلا وله عذاباته والشعر مرض حقيقي وهو موجود في دورة الدم وهو مرض لا فكاك منه، وهذا العذاب أجمل المتع على الأرض، ويعلم كل من في القاعة من الشعراء أو الكتاب أن موتهم الحقيقي ليس البيولوجي وإنما حينما يكفون عن الكتابة. وأردف مرضمة وطلب من الشاعر مترادفات لعبارات ذكرها منها: لبنان وأجاب بزيع أنها الساحة الأجمل للمبارزة بين الحياة والموت قصيدة البيوت قال عنها قريبة لنفسي وقال إنه شعر بفرح شديد حينما قررت في المناهج في لبنان للدراسة وجاءت أهميتها لأنها كانت بُعيد الحرب الأهلية وجاءت لتنتصر للبيت ضد الشارع أو لتنتصر للبنان البيت على حساب لبنان الساحة المفتوحة لحروب الجميع. ثلاث شجرات على جنوب لبنان وأجابه بأنها شجرات حقيقية على الحدود اللبنانية الفلسطينية وأول ما تكحلت بها عيناي وأصبحت رمزا للفردوس المفقود وكل ما هو ممنوع وكنت كلما طلبت من والدي أن يأخذني لها كان يقول لي إن هناك وحشا أو غولا جاثما عندها واتضح فيما بعد أن والدي معه حق. ليلة البارحة قال عنها: هي أطلال اليوم مشيرا إلى أنه حينما هزئ أبو نواس من الأطلال ليس معه حق وبين أنه مع احترامه لشعر أبي نواس فإنه لا شيء يوازي الأطلال وكل لحظة هي طلل للحظة التي ستأتي بعدها. وقبل أن يغادر المنصة اعتذر للحضور كونه صعد إليها وهو منفعل قليلا، وتمنى أن يفهم بشكل صحيح، قائلا "إنه كان يفترض أن يكون هناك تنظيم أكثر للوقت لأنه كان مرتبطاً بأمور جوهرية وبموعد في الساعة التاسعة"، وقال مداعباً الحضور: في الوشم كسر لكمال الجسد وروعة عكاظ يتخللها شيء من النكد.