تحتفظ ذاكرة سيدة الأعمال والناشطة الإجتماعية مها فتيحي بذكريات رمضانية جميلة، استعادت جزءا منها في هذا الحوار السريع الذي أجرته معها "الوطن" وحاولت الغوص في ذكرياتها لتستعيد شيئا من الماضي الجميل.. فإلى الحوار: ماذا تحمل ذاكرتك عن رمضان؟ بانتهاء شهر شعبان تبدأ الأسرة بالاستعداد لرمضان وكانت الأسواق تمتلئ بالمأكولات التي يشتهر بها أهل الحجاز، ويظل شارع قابل ومنطقة البلد المكان الأكثر إقبالا لشراء مستلزمات رمضان، وكانت الأسر إذا دخل رمضان تخرج لشتري مستلزماتها مصطحبة معها الصغار، وعند ثبوت الرؤية تزدان البيوت بالزينة والأنوار الساطعة. هل تتذكرين شيئا من صيام الطفولة؟ أجمل ذكرياتي مع رمضان هي ما كان في سن الطفولة حينما كنت بمدارس "دار الحنان"، وما زال القليل منها عالقا في الذاكرة والحمد لله، وكانت الجدات والأمهات يحفزن الصغار من البنات والأبناء على الصوم بالتدرج لفترة قليلة من النهار ويعدون الصائم الذي يكمل يومه بهدايا مضاعفة، وكانت جدتي لوالدي السيدة زينب مغربل، تجزل الهدايا لأطفال العائلة الصائمين، وتحفزهم على هذا بقطع النقود وبمشاركة البنات الصغيرات بإعداد السمبوسة والوجبات، ومن الذكريات أيضا أن الأمهات كن يدفعن بالصغار لتحري مدفع الإفطار أو السحور لنعدو مسرعين مهللين ومهرولين إلى طاولة الإفطار أو للتسحر. وماذا تحمل ذاكرتك من الإعدادات في الشهر الكريم؟ كانت ملامح الشهر الفضيل لها نفحات روحانية عالية يستشعرها الصغار بسبب ما يقوم به الكبار من تجهيزات للشهر، فكانت منطقة البلد التي نشأت فيها تهتم بتزيين الشوارع، وتبدأ الأمهات والجدات من أهل جدة بالاستعداد ب"تقشيع المنزل" واستخراج الفرش والستائر ويعيدون ترتيبه انتظار للعيد، وكثيرا ما كان "المنجد" حاضرا في المشهد، وكثيرا ما كنت أرافق جدتي التي كانت تمر على الأسر المتعففة وتوزع لهم مخصصات رمضان وشراء ملابس العيد التي تقوم بتجهيزها ومتابعة "المنجد" في تنجيد فرش البيت قبل نهاية شهر رمضان لاستقبال العيد. حدثينا عن ليالي رمضان؟ الناس في ذلك الزمن كانوا مشغولين بعادات موروثة والتجهيز للعيد والإعداد للطعام والذهاب للمسجد لصلاة التراويح، فكان هذا الشهر يحمل معنى جميلا لكل من سكن جدة القديمة قبل التطور العمراني، وبعد انتقالنا من منطقة البلد إلى حي "الرويس" استمرت عادة جمع الأسرة والعائلة على طاولة الإفطار، حيث تجتمع الأسرتين لعائلة الزوج الوزير "عادل فقيه" وعائلة "فتيحي" للإفطار شمال مدينة جدة. ماذا عن المرأة الجداوية؟ كانت كل ربة بيت وسيدة جداوية ما إن تفتح عينيها حتى تذهب إلى تحضير للإفطار، تخمير العجين، وعمل السمبوسك، وتعد الشورية والسمبوسة من أفضل الوجبات التي تقدمها بإفطار رمضان، وأول ما تفعله المرأة الجداوية هو التأكد من اختمار العجين، ثم تعجن السمبوسك، ويعد الثلاثي العجيب: «الشوربة والسمبوسك والفول» قوام المائدة الرئيسة في شهر رمضان المبارك، ولا يزال الفول يمثل الأكلة الشعبية الأولى في وجبة الإفطار، وأجود أصنافه ما كانت حبته صغيرة والسحور سمك مقلي وأرز. ما الذي فقده المجتمع من عادات رمضان؟ من المؤلم أن نفقد الكثير من الأشياء الجميلة التي اعتدنا عليها في مجتمعنا، فلو عدنا للمجتمع الإسلامي السمح والصحيح سيعود لنا ما فقدناه من ترابط أسري وألفة ومحبة، ولا زلت أتذكر ما كانت تفعله الأمهات في الماضي حيث تحرص على جمع الأسرة على طاولة الإفطار. ما أكثر المواقف التي لا تزال عالقة بذهنك؟ من أبرز المشاهد العالقة بذاكرتي تسويق البضائع بطريقة الأهازيج والتي تكتسب أهمية لدى البائعين من مختلف الجنسيات، فكانوا يسوقون لبضائعهم بإعلانات عصرية للتين والبليلة والدندرمة والتفاح والبلح لكنها أهازيج جذابة راقية، وأتذكر بسطات رمضان بشارع قابل التي كانت تزهو بالحلوى والملابس الجميلة والزينة وكانت الأمهات تتجول مع أطفالهن قبل آخر عشر أيام لشراء ملابس العيد وتصدح أم كلثوم بصوتها الشجي "يا ليلة العيد آنستينا" وتطلق بعض المحلات أغاني تراثية احتفالا بدخول العيد. كلمة أخيرة للصائمين؟ شهر رمضان شهر عبادة ينبغي ألا يضيع في الشراء والتجول والإفطار بالمطاعم الحديثة، فهذا ما يفقده الكثير من روحانيته، فالمفترض تقليل استهلاك الطعام وعدم التبذير، لذلك فإنني أنادي بعمل دراسة تثقيفية لتدريب الأسر على الحرص والإنفاق المعتدل.