في تفاعل مع مأساة حرب أهلية في بلادها "سورية" والصراع المتصاعد في المنطقة بكاملها الممتد والملقي بظلاله على أرجاء العالم، وما خلفته تلك المآسي، أرخت لتلك الأحداث، الفنانة العالمية "سارة شمّة" السورية التي أجبرت على مغادرة سورية عام 2012 م إثر انفجار سيارة مفخخة بالقرب من منزلها بدمشق واستقرت في لبنان، من خلال مجموعة من اللوحات صورت فيها بأسلوبها المعروف بالواقعية السريالية والرمزية ما تعانيه بلادها انطلاقا من رؤيتها وفلسفتها الفنية حيث تقول: كل خسارة تعوض إلا الحياة، ومائتي ألف خسروا حياتهم في بلادي، آلام التهجير والفقدان، تكشف القيمة الحقيقية لحياة الإنسان. وكأنها تتمنى أن يبعث هؤلاء ليقصوا مآسيهم التي عايشوها من خراب ودمار وتشوهات إلى العالم.. هؤلاء الشهداء فقط هم من يستحقون الحياة.وفي الشتات تتبدل الحياة وتنفصل تماما عن سابقتها هذا ما تعيشه الفنانة حيث ترى ما كان خفياً. ولدت شمة لأب سوري وأم لبنانية، قدمت كثيرا من المعارض، وحصدت: - جائزة بي بي بورتيريه في صالة البورتيرية الوطنية بلندن 2004 م - جائزة ووتر هاوس للتاريخ الطبيعي في جنب أستراليا 2008م - جائزة بينالي فلورنسا 2013 م - اختيرت من برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عام 2010 م .. شريكة من مشاهير الفن للبرنامج - معرضها الأخير "طابور" في كلية الفن الملكية بلندن 2013 م - معرض "شتات" في صالة آرت سوا بدبي كل هذا التاريخ الفني لواحدة من أشهر رسامي البورتيريه في العالم أهلها لأن تؤرخ لمآسي الحروب الأهلية من خلال أعمالها التي يستضيفها "جاليري ستولن سبيس بلندن" برعاية مجموعة "أوغسطين وروفائيل العالمية". وإذا كان فنانو الحروب العالميين أمثال "ديلاكروا" في عمله "مجازر خيوس" و"جويا" في "ويلات الحروب" وغيرهم من الفنانين الذين أصطحبهم الإمبراطور "نابليون بونابرت" خلال غزواته لتصوير ساحات المعارك، والفنان المصري "جمال قطب" الذي صور مآسي العدوان الثلاثي على مدن القناة، إلا أن حالة "شمّة" تختلف تماما عما قدموه. حيث صورت مآسي الحروب ليتعاطف المجتمع الدولي مع قضيتها كما تفاعل مع لوحة "بيكاسو" "الجورنيكا" التي عبرت عن وحشية الحرب التي دمرت بلده آنذاك. يصف مؤرخ الفن "إدوار لوسي سميث" أعمال "شمّّة" بأنها "فنانة لديها شجاعة نادرة للتفاعل مع الحدث وبخاصة تلك المأساة التي تنكشف في بلدها من خلال تصويرها الأوضاع التراجيدية الراهنة ما يستدعي التركيب والاستخدام الروائي في أعمال شمّة المقارنة مع رسامي التاريخ العظماء ومعلمي الحرب من أمثال "غويا" و "ديلاكروا".وتصف الناقدة الفنية اومنسقة المعرض "ساشا كرادوك" مقاربة شمّة للرسم بأنها: "لعب معقّد بين الواقعي والرمزي، تشير فيه من خلال التركيز المتغير بين القرب والبعد، الوضوح والغموض، إلى حالة عامة بتفصيل مضاعف أحيانا. أحدث بورتريه شخصي لها يضم حالات وأزمانا مختلفة، تظهر فيه الفنانة مظللة بهيكل عظمي لوحش أسطوري، يحدق بها، بينما يذبل ويفرغ من الهواء بالون حفلات على مستوى آخر من اللوحة. تتفاعل لوحات شمّة الأخيرة هذه مع بعضها لبناء حالة قوية من التأمل، وتحمل عالما غيبيا غريبا في طياتها، يوحد بين طائفة من التفاصيل الشديدة الواقعية والأعضاء البشرية، مع ضربات الريشة المنفلتة عبر الوجه". لا يمكن للمرء أن يبقى محايداً أو ينأى بنفسه عن الانفعال عندما يشاهد هذه اللوحات. كل فقدان هو فقداننا، تهشم وشتات مجتمع ثقافي نابض بالحياة في سورية هو مرحلة واحدة فقط من مراحل الانتهاك الثقافي في العالم. الفن رسالة إنسانية تسطرها مجموعة من العواطف، يتفاعل بالضرورة مع الأحداث ليكشف مدى المعاناة والمكابدة التي يعيشها الفنان الصادق ويفرغها في أعمال لها دلالات ومعاني سامية وهذا ما أكدته الفنانة "سارة شمّة" بأن الفنان ليس بمنأى عن وطنه مهما بعدت المسافات وزادت فترات التهجير وآلام الحرمان. * فنان وناقد تشكيلي