لم تكن عمليات "عاصفة الحزم" التي يقودها التحالف العربي ضد ميليشيا جماعة الحوثي والقوات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح محصورة في الواقع الميداني العسكري على العكس تماما، فالبيئة الافتراضية في شبكة الإنترنت تحولت إلى مسرح عمليات يقترب من الميداني، ولكن بشكل مختلف. في وسيط التواصل الاجتماعي فيسبوك تدار معركة يمكن وصفها بميدان توضيح الحقائق، وتوعية الجمهور العربي والدولي بتداعيات الانقلاب على الشرعية الدستورية، ليس هذا فحسب، بل أيضا ميدان وعي بين المسار الشرعي اليمني وأتباع الانقلابيين في صنعاء. عمليات "عاصفة الحزم" رسمت على المشهد اليمني كثيرا من الدلالات، وربما يعود ذلك إلى نجاعة أهدافها العسكرية لضرب خطوط الإمداد وبطاريات الصواريخ الباليستية في المعسكرات التابعة للانقلابيين في صنعاء والمحافظات التي يسيطرون عليها، لكن الملفت في هذه المسألة هو تحول أتباع الحوثي إلى دور يشبه "المخابرات الفيسبوكية" على كل من يؤيد عمليات التحالف العشري. ما حصل مع رئيس مركز أبعاد للدراسات والأبحاث عبدالسلام محمد نموذج من نماذج الترهيب الحوثي، فتحولت صفحته في الفيسبوك بتاريخ 28 مارس الماضي إلى ساحة تهديد مباشر من أحد أتباع جماعة الحوثي، إذ وصفه عبدالرحمن حميد الدين بأنه يمارس مهمة الجاسوسية، بعيدا عن مهمته كرئيس مركز بحثي. كما رصدت مقابلات هاتفية لمحمد عبر قناتي العربية والجزيرة، واتهمته بأنه يقوم بنقل إحداثيات الضربات العسكرية والعدوانية إلى التحالف الخليجي، وقال حميد الدين "إنه يصف بشكل دقيق أين وصل القصف الجوي في منطقة الصباحة". وبلغة تهديد مباشرة وترهيب وجه الحوثيون نداء إلى ما يعرف ب"النائب العام" و"اللجان الثورية الشعبية" بالقبض على محمد وغيره لحماية الأمن القومي اليمني، بتهمة التخابر مع دول التحالف المعتدية - حسب زعمه -، واقترح مراقبة مقابلاته التلفزيونية واتصالاته الهاتفية وكتابته. الحوارات الفيسبوكية بين أتباع الحوثي من مؤيدي الانقلاب وأنصار الشرعية الدستورية، والمؤيدين لضربات التحالف الذي تقوده السعودية تحمل كثيرا من الدلالات السياسية والوطنية، فبعض الحوارات كانت تذهب إلى تحميل جماعة الحوثي مسؤولية الحال التي وصل إليها اليمن من مستقبل مجهول. ويرد محمد على من اتهمه بالتخابر بقوله "أنتم من قررتم اتخاذ مسار العنف، ولم يلزمكم أحد في اتخاذ قرار مخيف كذلك، لذا فأنتم وحدكم من ستتحملون قراراتكم، وسندفع الثمن معكم لأننا كنا مرغمين على قبول واقع فرضتموه بالسلاح". وأضاف "تكلمنا كثيرا قبل أن تتكلم أصوات الرصاص، ولم نجد منكم إلا التهديدات والملاحقات. ولذا فإننا سنصمت طويلا لأن الصوت المرتفع الآن هو صوت القوة، التي ظننتم أنكم تصولون وتجولون في ميدانها وحدكم". لم تنته حوارات الفيسبوك عادة بين طرف وآخر، فهناك كثير من مناصري الشرعية الدستورية يتهمون الحوثي وأتباع الرئيس المخلوع صالح بأنهم أوصلوا "اليمن السعيد" إلى هذه الحالة المخيفة.