الحياة دار فناء وزوال متقلبة بأهلها، حالا بعد حال، هناك من يعيش سعيدا ويسعى لإسعاد الآخرين، وهناك من يعيش تعيسا، وأيضا يسعى لنقل تعاسته إلى الآخرين متسببا في حالات اكتئاب خفيفة، وقد تستفحل إلى اعتلال جسدي وأمراض عضوية لا يوجد لها دواء إلا في القبر، وكلاهما يلاقي ربه بعمله يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين. إن العبث بكرامة أفراد مسالمين - طيبين يفضلون معالجة جروحهم بعيدا عن مستنقعات العدوانية وثقافة الانتقام والرد بالمثل - والوقوق على عيوبهم والسعي لتضيق الخناق على حرياتهم وحياتهم الخاصة وملاحقتهم والتلصص عليهم، تتسبب في أزمات نفسية بعيدة كل البعد عن مظلة حفظ كرامة المسلم التي تؤكد عليها الشريعة الإسلامية. وصمت المجتمع عن هذا العبث البائس بمثابة الرقص على تلك الجروح والتصفيق والابتسامة لكل دمعة والضحك على كل صيحة ألم. يقول نيلسون مانديلا "ليس حرا من يهان أمامه إنسان ولا يشعر بإهانة"! هذه المقولة تخاطب الأحرار وتحاكي الإنسانية التي لا تقبل عزلة المرء عن ألم من حوله، وترفض جملة وتفصيلا إهانة الإنسان للإنسان والحط من قدره، ومن يؤمن بهذه المقولة ويرى نفسه عاجزا عن دفع تلك الإهانة يعش حياة القهر المهينة. أن تعيش في مجتمع ما وتصبح جزءا من منظومته ذلك يحتم عليك أن تشعر بكل فرد في ذلك المجتمع، كما يتوجب عليك دفع الأذى عنه ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ناهيك عن أن تصبح ضده في فعلك أو قولك أو صمتك، حينما تحتم عليك الظروف قول كلمة الحق يصبح الصمت في هذا الموقف جريمة! المواقف والأحداث تعصف بالبشر وتفرز سلوكيات الطيب من الخبيث، هناك من يتعالى بإنسانيته ويحافظ على ضميره بينما ترى من يتخلى عن فطرته الإنسانية ويغتال بيده ولسانه ويعكر صفو الوحدة ويُذهِب بهاءها ورونقها ويتجاوز قدر الاختلاف فتسقط الأقنعة كما تتساقط أوراق الخريف. إن التاريخ الإنساني الطويل أثبت وخلد المدافعين عن الإنسانية باختلاف أعراقهم ودياناتهم وأفكارهم وثقافاتهم، بينما أهمل الظالمين، وانتهى المطاف بهم إلى غياهب النسيان، ولم يبق سوى ذكرى أفعالهم القذرة المنحطة نستنكرها بأشد العبارات، وندعو عليهم بالويل والثبور. إن من أصعب الأمور والقرارات التي يتخذها الفرد في حياته هو إسدال الستار على آخر فصل من فصول البعض في حياته بتفعيل زر الحذف، حذف الأشخاص المثيرين للكراهية ومصدر الإزعاج ومنبع القلق وباعثي التوتر والنكد، من يحترمنا نحترمه ونقدره.