معلوم أن المجتمع عبارة عن مجموعة من الناس يعيشون سوية بشكل منظم وتتشكل بينهم شبكة من العلاقات المتنوعة، وبما أن الإنسان مدني بطبعه، فإنه يندفع للارتباط بأبناء جنسه ولإقامة علاقات متشابكة ومشتركة معهم، وبناء المجتمعات لا يتم فقط بدافع فطري وانطلاقا من شعور نفسي بضرورة التآلف في مجاميع إنسانية، وإنما هو أمر يدركه الإنسان السوي بحكم إدراكه لما تفرضه ضرورات الحياة ومقتضياتها مهما كانت طبيعة تلك الحياة. يتفاعل العامل الوجداني مع العامل الموضوعي ليشكل الانطلاقة نحو بناء المجتمع، ومن منطلق ضرورة هذا التعايش، وضع غالبية الأشخاص تساؤلا مفاده: كيف يراني الآخرون؟ ومن هنا بدأ الاهتمام بالأمور الظاهرية التي تعكس مظهر الشخص لدى الآخرين واكتسابه المهارات المؤثرة فيهم وامتلاكه الشخصية المحببة أو الجذابة. انشغل كثير من الباحثين وعلماء الاجتماع والنفس ببلورة بعض القواعد والاستراتيجيات التي تساعد على اكتساب هذه الشخصية الجذابة، وظهر كثير من البرامج الإعلامية والتدريبية والتقنية التي حرصت على تناول مثل هذه المهارات ووضعها ضمن قواعد المجتمع الناجح والمتناغم في تعايشه، وكما ارتقت رفاهية المجتمعات لاقتناء وسائل الترفيه والراحة، فقد ظهرت معها أهمية امتلاك الشخصية الجذابة لدى الكثيرين. الرغبة في الاستئثار بإعجاب الآخرين والاستحواذ على اهتمامهم سمة من سمات الحياة، وقد يحظى الشخص جميل المظهر – مثلا- بإعجاب الناس، ولكنه سرعان ما يتبدد هذا الإعجاب كالدخان إذا لم يسانده جمال الروح، فالشخصية الجذابة - التي تؤثر إيجابا في الآخرين - هي موهبة ربانية، وتشير إلى الحضور الفعال والقوي الذي يمتاز به بعض الأشخاص عن غيرهم، فهذه الشخصية تتمتع بصفات لافتة تفرض نفسها، فهي: اجتماعية، نشيطة، حماسية، محبوبة، طموحة، تعشق التحدي والتغيير، أفكارها عميقة، صاحبة مبدأ، واثقة من نفسها، معتدة بذاتها قادرة على الإقناع. كما أنها نابعة – في الأصل - من الداخل - هبة من الله تعالى - أكثر من كونها مكتسبة، وإنما يمكن لمن أراد أن يكتسب – بالتعلم والمران - بعض صفاتها ومهاراتها، عن طريق بعض برامج تطوير الذات والتنمية البشرية والارتقاء بالقدرات الشخصية. ويورد (زغ زغلر) في كتابه قمة الأداء (Top Performance) بحثا قام به كل من مؤسسة (ستاندفورد) وجامعة (هارفارد) ومؤسسة (كارنيدج)، يوضح أن 85% من أسباب الحصول على وظيفة ومن ثم الحفاظ عليها والتقدم فيها مرتبط بمهارات الأشخاص ومعرفتهم في الاتصال والتعامل مع الآخرين وليس بقدراتهم التقنية، وبهذا فإنه بإمكاننا أن ندرك أهمية تنمية الشخصية وتطوير قدراتها في التعامل مع الآخرين. وعلى الرغم من الإبهام الذي يحيط بالشخصية الجذابة، إلا أن بعض المفكرين والعلماء استطاعوا التوصل إلى مجموعة من العوامل المكونة لها، وتمكنوا من تحديد مجموعة من الصفات ومن وضع عدد من المراحل أو الخطوات التي تجعل المرء أقرب إلى امتلاك كثير من سمات وقدرات تلك الشخصية، ومن هنا يستطيع كل شخص الإجابة عن تساؤله: كيف يراني الآخرون؟.