هذا هو حال ثقافتنا. تعودنا دائما أن تكون قراراتنا هي ردود أفعال لأحداث معينة، رغم حاجتنا إلى مبادرات أصيلة ودائمة. وكما هو متوقع انخفضت أسعار النفط، وبدأت ردود الأفعال التي عبرت عن فزع حقيقي من المستقبل القريب، وهي نفس الأصوات التي تطالب بحلول لتأمين ميزانية المملكة ومستقبل الأجيال في السنوات المقبلة. ليست المشكلة ما إذا كان البحث عن حلول لم يأت إلا بعد انهيار أسعار النفط، فقد تعلمنا من أجدادنا أنه ما تأخر من بدأ. ولكن المشكلة هي طريقة البحث والتفكير، التي لم تتجاوز ثقافة "الرعاية الاجتماعية"، وهو ما نراه واضحا عندما نجد أن جميع المقترحات لا تتجاوز مقترح "الصناديق السيادية"! إذن ليس بالغريب ألا تتعدى مطالب الكثير منا سوى الاستثمار في صناديق اجتماعية، تدر عائدا ماليا طفيفا دون النهوض باقتصاد حقيقي قادر على خلق فرص وظيفية وعوائد مضمونة. وهنا نتساءل: ما الصناديق السيادية؟ وماذا ستقدم لنا من عائد مالي؟ وهل ستوفر لنا حلا لتفادي تضخم مستويات البطالة، وهي بلا شك الخطر الأكبر على أي أمة؟ لا يخرج تعريف الصناديق السيادية، عن محفظة استثمارية تودع بها الأموال ليستثمر بها في العقار والأسهم والعملات والذهب. أي الاستثمار في كل مجال تراه إدارة الصندوق آمنا للاستثمار. وماذا عن العوائد المالية لهذه الصناديق؟ قد يربح الصندوق السيادي وقد يخسر، حسبما يعتري الاقتصاد العالمي من تحسن أو انكماش، وستتراوح عوائد الصناديق الاستثمارية ما بين خسائر وأرباح وهو ما يغيب عن بال الكثير من المتحمسين لفكرة الصناديق السيادية. ولو استعرضنا أداء الصندوق السيادي النرويجي الأبرز والأضحم في العالم، لوجدناه يحقق أرباحا في سنوات وخسائر في سنوات أخرى، ففي 2008 حقق خسائر تعدّ الأسوأ تاريخيا وفقا لتقرير أداء الصندوق. كما حقق خسائر في عام 2011 وصلت إلى 2.5% ثم عاد وحقق أرباحا في عامي 2013 و2014 بمتوسط 13%، والآن نحن في انتظار تقرير عام 2014 الذي يتوقع أنه لن يتجاوز 4%. وفي ظل شبح البطالة الذي تواجهه المملكة ودول الخليج، هل ستسهم هذه الصناديق وهي في أفضل حالاتها في الحد من البطالة؟ سنجد لو نظرنا إلى أي محفظة استثمارية بمستشاريها ومحاسبيها ومديري التنفيذ فيها وجميع طاقمها، أنه لن يتجاوز عدد موظفيها 200 موظف فقط! إذن نستطيع أن نختصر نتائج هذا الصندوق بأنه مجرد صندوق للرعاية الاجتماعية، يُدر مالا ولا يقدم خدمة للاقتصاد، ولن يكون له أي تأثير سواء في الناتج المحلي أو في معدل البطالة. أخيرا، لنتأمل في الظروف الاجتماعية خلف الدول الأبرز التي تمتلك صناديق سيادية، فستجدها إما دول ليس لديها نسبة عالية من السكان، فلا يوجد لديها بطالة وتجاوزت عوائدها المالية خططها الاقتصادية "النرويج والإمارات" وإما دول حققت أهدافها الاقتصادية بجدارة وناتج محلي يصل إلى 7% كالصين. لكن كدول لم تبن اقتصادا واعدا فالأولى هو البحث عن حلول اقتصادية أخرى غير الصناديق السيادية. وبوجود هذا الفائض لدينا أين نحن الآن من صنع اقتصاد يحقق عائدا حقيقيا وآمنا، ويقوم بمهمة القضاء على البطالة المتضخمة؟