أن تستحضر الماضي النبيل، شعراً ندياً كأوراق الزهور إذا ابتنت قلباً للشعاع القادم من أفق السماء، تحاول أن تتنسم به شيئاً من العبق الأصيل، وترفل في ثياب الزهو أن مَسَّكَ من بهاء اتحاد الأصل، ما بين الوريدة والعبير...، وأن يكون هذا الماضي متجذراً في الأصالة، شجرةً طيبةً أصلها ثابت في التاريخ والمواقف والقلوب، وفرعها لم يزل يرفرف في فضاء المستقبل، سيرةً زكيةً ترشُّ نداها العطرَ على هامات الرؤى التي تبني وطناً وتحلم بانتصاب المجد في حجر ثراها ديناً وعلماً وشموخاً يليق بمهد الحرمين، وأن يتجسد هذا الماضي العبقري تاريخاً في إنسان اسمه (الملك خالد بن عبدالعزيز)، وأن تطل على هذا التاريخ المجيد شمسُ أخيه خادم الحرمين الشريفين، شمسُ المستقبل التي تنير العالمَ كلَّه برؤى الإنسانية والتعايش والخير للبشرية جمعاء...، أن تجمع بين يديك كل معاني النبل في الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد اسمه (قصيدة)، فأنت بلا شك: بدر بن عبدالمحسن!، وهكذا تقول العتبة الأولى في قصيدته (خالد الحب)!. القصيدة التي استحضرت عبق الملك الراحل، متزامنة مع ندوته العلمية التي اختتمت فعالياتها الثلاثاء الماضي بالرياض، ولم يزل معرضه، الذي يحكي تاريخاً مشرقاً من مواقف الرجال وسياسة الحكماء، وإنجازات القادة الأفذاذ، قائماً بالمتحف الوطني!. ولأن (الحب) هو السبيل المؤكد لاستقامة الحياة، ودوامه بيننا يعني انتصار الخير والنماء والازدهار، كان اقترانه باسم (خالد)!. ولأنها سيرة عطرة يراد لها الخلود، كان لا بد لها أن تقترن ب(الرمث)، ذلك الشجر المعمر، ذو الرائحة الطيبة، والذي يوضع رماده أيضاً على الجروح فيشفيها، فأي معنى يجتمع فيه خلودُ الذكرى وطيبُها وشفاؤها للقلوب المعذبة برحيلها!، وأية صورة يرسمها الشاعر حينما يمزج بين (الرمث) ونبتة (العبل) التي تتمتع أيضاً بالقدرة الهائلة على التعايش مع أصعب الظروف المناخية، - تماماً كما تعايش الملك خالد مع أصعب الظروف الدولية - فضلاً عن رائحتها الزكية أيضاً!، ثم يجمع كلَّ ما "سقى الغيث من رمل وجبل" إلى هاتين النبتتين فنصبح أمام لوحة لانهائية من الجمال النابض بالحياة!، إنه صدق التجربة الذي يُضفّر المعاني بالكلمات بالخيال فتزداد الصورة الشعرية رونقاً وجمالاً!. سيد الرمث وغصون العبل وما سقى الغيث من رمل وجبل هكذا حينما يستلهم الشعراء الكبار معنى كبيراً ورمزاً من رموز التاريخ، ليؤكدوا أن الشعر ليس ترفاً، أو مجرد كلمات تستعذب الأذن جرسها وموسيقاها، إنه كائن حي يكبر بقدر حس وخيال ولغة وصدق صاحبه، ذلك الحس الذي اشتم رائحة العروبة الأصيلة والكرم الحاتمي، أو قل الخالدي، في (سنا الجمر) و(الهيل) و(انوار الطفل)، وفي الشموخ حينما تسحب الحرار (الصقور) خيوط أقدامها (سبوقها) ساعية إليه مع ما هرب من الصيد!. لك سنا الجمر ورقاب الدلال وريحة الهيل وانوار الطّفَل ولك تتل الحرار سبوقها وما تطاير من الصيد وجفل ويحاول الشاعر استقصاء ملامح الكرم والشموخ والإنسانية التي تحلى بها الملك خالد، فيرسم أيضاً لوحةً لا تحدها حدودٌ لجودٍ عمَّ السهلَ والجبلَ، في عهده الزاهر، بينما يطل الأمل في مستقبل يشرق كل يوم، عزاءً للرحيل والحنين الذي يُبكي!. ولأننا نعيش عهداً زاخراً بالحب والإشراق والحرية والنمو والرخاء، هو عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تأتي البشارة الصادقة، بشارة يطمئن الشاعر من خلالها الملك الراحل على بلاده، وأي طمأنينة وهي في يدٍ أمينة، يدٍ تحمل لواء الرخاء والتقدم والإصلاح والتعايش، ليس على مستوى الوطن فحسب، بل على مستوى العالم أجمع!. أبشر ان الوطن حر عزيز فْعهد أبو متعب الشهم البطل ويرحم الله جميع ملوكنا ويجعل الجنة لخالد محل هكذا أوجز "مهندس الكلمة" الشاعر بدر بن عبدالمحسن، صفات ومآثر ملك، في أبيات تتسع لمعانيها صفحات وصفحات!.