مساء الاثنين الثامن من ديسمبر أُعلنت التشكيلة الوزارية الجديدة، ومنذ تلك الليلة والناس يتداولون في مجالسهم ومنتدياتهم وعبر وسائل التواصل الاجتماعي أسماء الوزراء الجدد الذين نالوا الثقة الملكية الغالية وهم أهلٌ لها بحول الله تعالى، وسيظل الحديث عن هذه التعيينات مستمرا لأسابيع عدة مقبلة. ولعل أكثر الأسماء تداولاً الدكتور محمد آل هيازع الذي أصبح وزيرا للصحة، ليصبح بذلك الوزير رقم (16) لهذه الوزارة التي ظلت لعقود طويلة مثارا للجدل نظرا لارتباطها بصحة الناس. شخصيا.. لم أكن أعرف عن الدكتور الهيازع سوى أنه أكاديمي سابق في جامعة الملك خالد ومدير ناجح لجامعة جازان التي وصلت تحت قيادته لمستويات لم تبلغها جامعات تكبرها عمرا بعشرات السنين، ومع إعلان خبر تعيينه وزيرا للصحة بدأت الرسائل تمطر هاتفي الجوال وكلها تحمل في طياتها استعراضا لمسيرة الدكتور الوزير، مقرونة بالثناء على هذا القرار، نظرا لما يتمتع به الرجل من سيرة إدارية حسنة وسجل ناجح، فضلا عن مسيرته الأكاديمية الثرية التي امتدت لربع قرن من الزمان. لطالما كان كرسي وزارة الصحة هو الكرسي الساخن الذي تعاقب على الجلوس عليه 15 وزيرا قبل أن يحل آل هيازع في المرتبة السادسة عشرة ويرث حملا ثقيلا من المهمات والملفات المعقدة التي تتزاحم على طاولته وتنتظر من "أستاذ الكيمياء" حلا لمعادلاتها المعقدة! الخدمات الصحية في المملكة ترزح تحت وطأة المعاناة المزدوجة، حيث لا تزال البنية التحتية في مواقع كثيرة غير مناسبة لتوفير بيئة صحية ملائمة تحقق طموحات وتطلعات الدولة والمواطن على حد سواء، بل أزعمُ أن مشكلةَ المشاريع المتعثرة تظهر بوضوح في وزارة الصحة أكثر من أي وزارة أو مرفق حكومي آخر، وبالإضافة إلى ضعف البنية التحتية والحاجة لزيادة عدد الأسرة وبناء مزيد من المستشفيات والمراكز الصحية المتخصصة ومراكز الرعاية الأولية تبرز مشكلة أخرى تتعلق بالكوادر الصحية التي لا تجد البيئة المناسبة في الوزارة مما أدى إلى ندرة الممارسين الصحيين المميزين وتسرب الكوادر المؤهلة تأهيلا جيدا وندرة الأطباء المَهرة، إما لضعف المردود المادي أو لتواضع الإمكانات والتجهيزات أو لمشكلات متعلقة بآليات التعيين والنقل أو لأسباب أخرى جعلت كثيرا من الأطباء ومقدمي الرعاية الطبية يبحثون عن فرص عمل بعيدا عن وزارة الصحة. والمشكلة الأكبر في نظري أن كثيرا من الأطباء يشغلون مناصب إدارية بعيدة عن تخصصاتهم الدقيقة، ومع ذلك فالوزارة تواجه مشكلات قديمة في غياب القيادات الإدارية المؤهلة تأهيلا علميا جيدا وهو ما انعكس سلبا على جودة الخدمات الصحية بشكل عام. ملفات ساخنة على طاولة وزير الصحة في مقدمتها ملف فيروس "كورونا" الذي ما زال يواصل حصد ضحاياه، وأعتقد أن تعامله مع هذا الملف – تحديدا- مهم جدا، فالكثيرون يرونه الملف الحاسم والأكثر أهمية وقد يتحول مقياسا للحكم على أداء الوزارة سلبا أو إيجابا، فالنجاح في محاربة هذا الوباء وتطويقه قد يساعد في التحرر من الضغوط الإعلامية والشعبية والعمل على حل المشكلات الأخرى بهدوء تام، والعكس صحيح! وبالإضافة إلى ما سبق فإن الوزير مطالب بحلول جذرية لمشكلة الأخطاء الطبية المستفحلة في السنوات الأخيرة ووضع الخطط المناسبة للحد منها، ومثلها مشكلات توظيف خريجي الأكاديميات والمعاهد الصحية واستيعابهم في مرافق ومستشفيات الوزارة وتأهيلهم التأهيل المناسب، أضف لذلك تطوير الخدمات الصحية بشكل عام ورفع مستوى جودتها وتطوير برامج التوعية والتثقيف الصحي، وغيرها من المعضلات التي تراكمت طوال الأعوام الماضية. خلاصة القول، إن تأهيل الكوادر البشرية سواء كانت إدارية أو فنية، وضخ الدماء الشابة خصوصا في الجانب الإداري بالإضافة لتطوير وتشييد المرافق الطبية ومتابعة المتعثر منها والعمل على سرعة إنجازه هما المطلبان الرئيسيان لمواطن يرجو أن يتلاءم مستوى الخدمات الصحية مع حجم ما تضخه الدولة من ميزانيات ضخمة لهذه الوزارة التي يتمحور عملها حول حياة الإنسان وصحته، والوزير مؤهل لتحقيق هذه التطلعات نظرا لخبرته الجيدة وحماسه ونجاحاته الإدارية السابقة.. فهل ينجح في وضع بصمة تاريخية في هذه الوزارة؛ أم سيكون مجرد رقم في تاريخ الوزارة التي تعد أكثر وزارة تعاقب عليها الوزراء؟!