المسؤولية المجتمعية مفهوم يتمحور حول مبادرات أو ممارسات طوعية وأخلاقية تقوم بها المنشآت تفعيلاً لدورها في تحقيق التنمية المستدامة سواء مع موظفيها وعائلاتهم أو أصحاب المصلحة من الشركاء أو المساهمين أو المجتمع المحلي ومختلف شرائح وفئات المجتمع كله، بهدف تحسين معيشة الناس وخدمة البيئة والحفاظ عليها. وتشمل المسؤولية المجتمعية القيم والمبادئ المتفق عليها التي تحلي سلوك المنشآت بالمواطنة الصالحة.. فالمسؤولية المجتمعية هي التزام مستمر من قبل المنشآت للمساهمة في تحقيق التنمية للمجتمع وتحسين الظروف المعيشية للجمهور الداخلي وللمجتمع المحلي أيضاً. ولذا فالمسؤولية المجتمعية تساعد كثيراً في نمو الأعمال بسبب دعم أفراد المجتمع لأهداف هذه المنظمة أو تلك ورسالتها والاعتراف بوجودها نظير مساهمتها المجتمعية، وهذا ما سيسهم في خلق نموذج مضيء للأعمال من خلال الإسهام في المجتمع عبر مشاريع ومبادرات مجتمعية تنموية. وعلى الرغم من ذلك إلا أن مفهوم المسؤولية المجتمعية مايزال يعاني القصور في مفهومه لدى قيادات القطاع الخاص والعاملين فيه من جانب، فضلاً عن القصور في فهم المعنى الحقيقي لمسؤوليات القطاع الخاص تجاه المجتمع في جوانب التنمية الاجتماعية، والمساهمة مع القطاع الثالث (منظمات المجتمع المدني والعمل الخيري والتطوعي) ودعم برامج التطوع والمبادرات ذات المردود المجتمعي من جانب آخر. ولا تنحصر المسؤولية المجتمعية على مؤسسات القطاع الخاص الكبيرة، بل تستطيع المنشآت الصغيرة والمتوسطة القيام بدور محوري في المسؤولية المجتمعية خصوصاً لو علمنا أن ما يقرب من 90 % من المؤسسات في جميع أنحاء العالم تتكون من مشاريع صغيرة ومتوسطة الحجم وتمثل من 50 إلى 60 % من فرص العمل، وتلعب دوراً هاماً في تنمية المجتمع. في جانب آخر تشير الدراسات الميدانية في الدول النامية إلى قصور في الدور الاجتماعي لدى مؤسسات وشركات القطاع الخاص، إذ لا يتناسب حجم ما تحققه من عوائد وما تحظى به من اهتمام ودعم حكومي ومجتمعي مع ما تقدمه لخدمة مجتمعاتها في غياب ملحوظ لتبني ثقافة المسؤولية المجتمعية التي تعد في الأصل استثمارا يعود على المنشأة وتعزيزا لقدراتها التنافسية فضلاً عن لعب دور وطني وواجب تمليه الدوافع الإنسانية والاجتماعية والدينية. وتظهر الإحصاءات العالمية أن نصف الشركات الكبرى في العالم يصدر تقارير مستقلة خاصة بالمسؤولية المجتمعية بوصفها إجراء معياريا لأن المبادرات المجتمعية استثمار أخلاقي بالدرجة الأولى يتصل بالأداء بعيد المدى لهذه المؤسسات والشركات، وأصبح هذا الاستثمار ضرورة لتميز هذه المؤسسات والشركات، وله دور في دعمها لتحتل مواقع بارزة ومتقدمة في المستقبل. واليوم أصبح الكثير من قيادات القطاع الخاص والعاملين فيه والعملاء أكثر إدراكا واستيعابا لثقافة المؤسسة المجتمعية الخيرة التي تتبنى وتقدم مبادرات وطنية ذات قيمة للمجتمع، وهنا ندرك الدور الكبير والمهم للغرف التجارية الصناعية لإشاعة هذه الثقافة بين منشآت القطاع الخاص، مع أهمية دور كل من وزارة التجارة والصناعة ووزارة العمل ووزارة الثقافة والإعلام في إشاعة الثقافة المؤسسية لدور القطاع الخاص تجاه المجتمع وتبني استراتيجيات تنموية تسهم في تنافسية المنشآت الوطنية وتدعمها من خلال المنتجات والخدمات التي يقدمها القطاع الخاص. وخلال الفترة الأخيرة تعالت النداءات بضرورة تبني المنشآت مسؤوليات مجتمعية وأخلاقية حتى لا يتركز دورها حول تحقيق الربح فقط وسعيها لذلك عبر ممارسات غير مقبولة أخلاقياً أو قانونياً، فالثروة ليست كل شيء بالنسبة للمجتمع، وهذا يؤكد أهمية تبني رجال ورواد الأعمال فكر المسؤولية المجتمعية، الأمر الذي سيسهم في تبنيهم واجباتها الاجتماعية من خلال حرصهم على تنمية المجتمع وبناء منشآتهم العملاقة بإذن الله وفق مفاهيم حديثة تنطلق من المسؤولية المجتمعية.