أطلق الكثير من المحللين سهامهم نحو منظمة أوبك يحملونها "وحدها" مسؤولية انخفاض أسعار البترول، وعند قراءة المشهد يطرأ على الذهن سؤال منطقي: هل أوبك وحدها تملك القوة والأدوات للسيطرة على أسعار البترول أم هناك عوامل أخرى مؤثرة؟ لن أطيل بالمقدمة وسأبدأ بطرح أهم المعطيات: أولاً: ماهي العوامل المؤثرة على أسعار النفط؟ 1) الدولار الأميركي، وأتساءل كثيراً عن سبب تجاهل "منتقدي أوبك" صعود الدولار المدوي من مطلع السنة وحتى تاريخ كتابة المقال، فصعود الدولار كفيل بإيقاف شهية المستثمرين من الاستثمار في الطاقة. عند مقارنة مؤشر الدولار ومؤشر البترول من مطلع العام الحالي وحتى اليوم سنلاحظ مدى ترابط ارتفاع الدولار بانخفاض النفط وكيف أثر على أسعار النفط، علماً أن أسعار النفط بدأت بالانخفاض من مستويات تفوق 110 دولارات مع بداية صعود الدولار إلى أن سجلت مستويات 74-72 دولارا قبل قرار منظمة أوبك الشهير بعدم تخفيض الإنتاج، أي نحن نتحدث عن انخفاض يفوق 30٪. ثم وبعد قرار عدم تخفيض الإنتاج أكمل النفط مسلسل الهبوط مدعوماً بقرار أوبك إضافة لعوامل أخرى منها صعود الدولار. 2) العرض والطلب: العرض: لا شك أن اكتشاف المزيد من الآبار النفطية واكتشاف حلول تقنية لاستخراج المزيد من النفط، كالنفط الصخري، يساعدان على استقرار العرض، فكل اكتشاف كبير لاحتياطي جديد وزيادة في الطاقات الإنتاجية والتصديرية أو تعطلها لأي سبب يؤثر على الكميات المعروضة من النفط وبالتالي على الأسعار المحددة. الطلب: يعتبر الطلب عاملا أساسا في ارتفاع أي منتج في العالم نفطي كان أم خلافه، فتوسع الصناعات العالمية وخروج اقتصادات دول العالم من الانكماش إلى النشاط يفتحان الشهية لمزيد من الطلب فمزيد من الارتفاع. هنا وبلا شك في عنصر العرض والطلب تلعب منظمة أوبك دوراً مهماً في تغطية وضخ مزيد من الإنتاج في حال تضخم الأسعار بسبب شح المعروض، والعكس بالعكس. بالنظر للعامل الثاني وجب علينا معرفة مجموع حصة منظمة أوبك من الناتج العالمي ليتسنى لنا معرفة مدى تأثير منظمة أوبك في عملية زيادة الإنتاج أو تخفيضه. تملك الدول الأعضاء في منظمة أوبك 40% فقط من الناتج العالمي ولم يصل مجموع أعضائها حتى إلى نصف الناتج العالمي من النفط! فهل كان رفض منظمة أوبك تخفيض إنتاجها سبب رئيس لمواصلة الانخفاض؟ ولماذا لم يتم مطالبة الدول الأخرى بتخفيض إنتاجها أيضاً للمحافظة على الأسعار كأميركا وروسيا؟ 3) المخزون النفطي في الولاياتالمتحدة الأميركية والدول الصناعية: يلعب المخزون النفطي دوراً مهماً في تقلبات أسعار الطاقة وبلا شك أثر إرتفاع حجم المخزون النفطي لدى الولاياتالمتحدة الأميركية على مواصلة الضغط على أسعار النفط، ففي تقرير نشرته إدارة الطاقة الأميركية نجد أن مخزونات النفط الأميركية سجلت رقما قياسيا كبيرا في حجم المخزون النفطي قدر بأكثر من 36 مليار برميل لأول مرة منذ عام 1975م. 4) مضاربات الأسواق: وهذه من العوامل الغامضة في الحقيقة، فسعر خام برنت يتم تحديد أسعاره من خلال "بورصة برنت الورقية للبترول" ومقرها في بريطانيا، علماً أن هذه البورصة تُدار من قبل الوكالة الدولية للطاقة. ففي هذه البورصة يتم المضاربة بأسعار النفط ويمكن للمضارب أن يبيع أو يشتري النفط بهدف استثماري فلا يوجد هناك تسلم ولا تسليم، ومن خلال هذه السوق أيضاً يتم تحديد سعر خام برنت، وبما لا يدعو للشك فإن أسعار البترول جميعاً ترتبط أسعارها بسعر سوق برنت كونه المؤثر الرئيس في أسعار النفط إن ارتفع ارتفعت والعكس كذلك. نعم قد يستخدم المضاربون في بورصة برنت الورقية للبترول الأخبار والعوامل التي ذُكرت في الأعلى، لكن إذا عرفنا أن هذه السوق تدار من قبل الوكالة الدولية للطاقة التي يهيمن عليها المستهلكون وليس المنتجون فهل مازلنا نعتقد أن أوبك بزيادة إنتاجها أو تخفيضه تستطيع السيطرة على أسعار النفط؟ 5) الهيمنة والحرب الاقتصادية بين الدول: لا شك أن الدول الكبرى دخلت في حرب اقتصادية بينها منذ عقود وأصبح سلاح النفط وسيلة للضغط الاقتصادي وسأتحدث عن ميزانيات بعض الدول المنتجة والسعر الذي تتطلع له هذه الدول: بلا شك دول كروسيا وفنزويلا وإيران ستعاني كثيراً وبقسوة من انخفاض أسعار النفط، وستتوقف بعض من برامجها الاقتصادية والاجتماعية بناء على تقارير صدرت من "بلومبيرق".