أخضع نادي جدة الأدبي مادة "التربية الوطنية" لمحاكمة فكرية قوية عبر ندوته "دور الهوية الثقافية في تعزيز الوحدة الوطنية" التي نظمها أول من أمس وأثارت جدلا حول الهوية الثقافية والوطنية لانعكاس مضمونها على الجيل السعودي الناشئ. وشن الدكتور سعود المصيبيح هجوما واسعا على مادة "التربية الوطنية"، مستذكراً مرحلة مهمة من تاريخ التعليم السعودي العام، تداخلت فيها المتغيرات المحلية مع الدولية، في إشارة واضحة إلى الفترة التي كان فيها الراحل الدكتور محمد بن أحمد الرشيد وزيراً للمعارف ما بين (1994 - 2003)، وقال: "إن أول ما شد انتباه الرشيد في ذلك خلو "المكتبات المدرسية" من الكتب الوطنية، وازدهارها بكتب الحزبيين والحركيين الفكرية". وأضاف بأن ضعف الهوية الوطنية في مدارس التعليم العام دفعه – أي الرشيد - إلى التفكير في إدخال مادة التربية الوطنية التي قوبلت بالرفض واحتج البعض بأنها سلوك وليست منهجا، وزيادة مواد وعبء على الطلبة. لم يكتفِ المصيبيح بنقد مادة "التربية الوطنية" بل ذهب إلى أن المدرسة أصبحت في بعض جوانبها تزرع الفكر والتطرف والأفكار الحزبية، مشدداً على أن الشباب السعودي تعرض لعدة هجمات استهدفت هويته الوطنية والثقافية، مرجعاً ذلك إلى غياب دور التعليم في فترة من الفترات – لم يحدد إطارها الزمني -، إضافة إلى عدم التركيز على الطلبة في الشريحة العمرية من تسع سنوات فما فوق، وهي المرحلة التي تتكون فيها الهوية الوطنية، على حد قوله. واسترجع المصيبيح بعض المعلومات الوثائقية، كان أهمها أن رئيسي تحرير عكاظ والرياض (الحاليين)، هاشم عبده هاشم وتركي السديري، قدما مقترحاً في 1417 لوزارة المعارف، أبديا فيه رغبتهما بإدخال صحيفتيهما للمدارس لتقوما بدورهما الإعلامي في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية. إلا أن المقترح رفض من قبل الوزارة. كما تطرق المصيبيح إلى مسألة انخراط الشباب السعودي في الجماعات المقاتلة المصنفة إرهابياً في المملكة، وكيف أنهم أصبحوا "وقوداً سهلاً" للعمليات التخريبية التي حدثت داخل المملكة أو خارجها. مسألة تعريف "ولي الأمر" الواردة بمنهج التربية والوطنية كانت محل نقاش أثناء الندوة، فالمصيبيح طالب بتغيير التعريف الحالي للمصطلح بأن يكون هو الحاكم الشرعي الذي تجب له البيعة فقط، في حين أن بعض المداخلات ذكرت أن هذا التعريف ليس جديداً، وإنما هو مستقى من كتب التفسير القديمة وكتب التراث الفقهي من عشرات القرون، مؤكدين أن الحاجة ماسة إلى إعادة تحرير المصطلحات والمفاهيم. الرؤية التي قدمها الكاتب الصحفي فهد عامر الأحمدي، ضيف المنصة الرئيس، كانت تمس مفهوم "الهوية"، التي أشار لها بأنها - أي الوطنية - مفهوم جديد على البشر، وأكد الأحمدي أن الاجتماع حول أي حاكم هو تقوية للحمة، وتعزيز لمفهوم الوطنية، موضحاً أنه ليس من مصلحة أحد تجاوز هوية ورسالته. الندوة لم تخل من النقد، حيث أشار الناقد حسين بافقيه إلى أن عنوانها "أكاديمي"، و"المضمون" أقرب إلى التوعية، ذاكراً أننا لم نسمع طوال الندوة عن لب الموضوع المركزي، الدور الذي من المفترض أن تقوم به الهوية الثقافية في تعزيز الانتماء الوطني.