جازان من أهم مبادئ المنهاج القرآني العظيم الدعوة للتفكر والتدبر في مخلوقات الله تعالى، وفي موجودات الحياة، ومحاولة فهمها وتحليلها وتفسيرها، وعليه فحرّية الفكر منحة إلهيّة عظيمة لبني آدم، بل إن حرية الفكر من مقومات الإيمان العميق بالله تعالى، إضافة إلى ذلك فإن معظم معطيات التطور البشري والاختراعات قد جاءت من هذا الباب تحديدا، فلولا حرية الفكر والتفكر والتدبر لما عرفنا الهاتف والسيارة وعلوم الفضاء والتقنية الحديثة. لقد كانت حرية الفكر عبر التاريخ البشري هي أساس كل تطور، ولكن وعبر التاريخ أيضا كان هناك دائما من يحارب (حرّية الفكر) بل ويحاول بكل الطّرق وأدها، وما زال هناك من يحاربها حتى اليوم، بل إن البعض وصل به الأمر إلى اعتبارها مخالفة لثوابت الإسلام! ولعل من الفرص التي وجدها هؤلاء المحاربون لحرية الفكر موضوع التعدي على الذات الإلهية والإساءة للأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه، فقد ربطوا ظهور هذه الإساءات (بحرّية الفكر)، وهي أبعد ما تكون عنها، فمسألة التعدي على الذات الإلهية - تعالى الله عما يقولوه أعداؤه - والإساءة للأنبياء - عليهم صلوات الله وسلامه - موجودة عبر التاريخ، وعبر التاريخ البشري الطويل كانت حالات قليلة ومحدودة، ولا تكاد تشغل حيزا كثيرا من كتب ومراجع التاريخ، وحتى في العصر الحاضر عصر الحريات المُطلقة والفضاء المفتوح وفي العالم كله، مسلمين وغير مسلمين، تجد هذه الحالات محدودة، ومن قاموا بها لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليدين، وهذا كله يؤكّد أن هذه الحالة مرتبطة وناتجة عن (خلل في الفكر) وليس (حرية الفكر). فعبر التاريخ أيقن الإنسان أن الذهاب لتلك المناطق - أعني الذات الإلهيّة والأنبياء - ليست ضمن قدراته، ولا هي من مهامه ولا تعود عليه بأي فائدة، بل وعبر التاريخ أيضا تجد كل الناس يتفقون على إطلاق لقب (مجنون) على من يفعل ذلك، ومجنون تعني اختلال الفكر وليس حريته، لذلك ينبغي أن نفرق بين اختلال الفكر كحالة مرضية؛ وبين حرية الفكر كقيمة إنسانية عظيمة كانت وما زالت وستظل من مقومات الإيمان العميق بالله تعالى، بل ومن مقومات الوطنية الحقة في عصرالأدلجة، ومن مقومات الحياة البشرية في هذه الحياة الدنيا.