تمر الأيام والليالي ومازال إدراكنا قليلا لما تحويه خزينة عقولنا التي أتخمتها كثرة المنعطفات الحياتية من سجالات وأفكار وكوارث كونية ومعرفية. أصبحنا نتوه في غياهب أنفسنا، ونغوص في عدم الإدراك، ونركل الذاكرة بضربة حرة في شباك الزمن، لنضع جام غضبنا على كثرة الملهيات الدنيوية، التي أنستنا أنفسنا المزدحمة فتهرم الذاكرة وتشيخ وتصبح غير قادرة على إعادة تأهيل الذكريات من جديد فقد تناثرت شيئا فشيئا وتبعثرت أدراج الرياح. ففي هذا العصر الملغم بقنابل شتات الذات من أخبار يومية وتكنولوجيا وأشياء أخرى أكثر ضررا على ذاكرتنا، أصبحنا كثيري النسيان عديمي التذكر، لدرجة الضغط على الذاكرة وإنهاكها كي تستعيد ولو ربع تلك الذكرى المندثرة، أو ذلك الموقف المتشبث بحيطانها على أن يكون له نصيبا في الرجوع حينما يتم استرجاعه كذكرى عابرة في زمن ما. أنهكنا ذاكرتنا وأتلفناها بكثرة الضجيج وعدم استقرار الفكرة، وحكمنا عليها بالامتلاء المبكر قبل وقتها، لندرك بعدها أننا أشعلنا النسيان فيها بحجة التغافل والتكاسل وعدم التذكر. "الذاكرة ممتلئة" تكاثرت هذه الكلمة كثيرا على أسطح الأجهزة الإلكترونية، نعم ممتلئة فقد أتخمناها ضجيجا لا حدود له، فما بالكم بعقولنا المسكينة، ورؤوسنا المتضخمة من صخب لا ينضب، ستكون نهايتها حتما في احتضار مستمر!