للفرحة من أجل الوطن لذة من نوع خاص، لا سيما حين تتخللها مشاعر الغربة والحنين، بل إن قيمة الوطن تبلغ مرتبة عالية لدى الفرد وتزيده شعوراً بالمسؤولية حين يحمل على كاهله أمانة تقديم وطنه بصورة مشرفة لدى الآخر المختلف عنه ثقافياً البعيد منه جغرافياً. مزيج من كل ما سبق هو مجرد محاولة لتوصيف حالة كل مبتعث ومبتعثة. وفي دولة كأيرلندا التي تتكئ على إرث تاريخي زاخر بقصص الحرب والجوع والفقر ورائحة العنصرية الملونة بالدم، أعقبه مرحلة تمازج وتعايش طائفي واستقرار سياسي، في محاولة من الأيرلنديين للاندماج واللحاق بركب محيطهم الأوروبي الصناعي المتقدم. بناء على المعطيات السابقة أكاد أجزم بأن مبتعثي أيرلندا يعيشون بامتياز تجربة ابتعاث مختلفة. ربما ذلك هو ما يدفعهم أكثر من غيرهم في محاولة تغيير تلك النظرة الضيقة التي ينظر الآخرون إلى وطنهم من خلالها كمجرد صحراء غنية بالنفط وحسب، وهي في مجملها صورة نمطية ربما تم تكريسها في مرحلة معينة لكن واقع اليوم يختلف عن ذلك بكثير. في الأسبوع الماضي كان بعض الأصدقاء الأيرلنديين ومن بعض الجنسيات الأوروبية الأخرى حاضرين في إحدى ليالي الفرح السعودي التي نظمها نادي الطلبة السعوديين في أيرلندا، احتفالاً باليوم الوطني الرابع والثمانين، لقد شاهدوا وشهدوا بالنثر والصورة واللحن والقصيدة كيف يتغنى السعوديون كباراً وصغاراً بوطنهم ويعتزون بوحدتهم ولحمتهم الفريدة. شاهدوا كيف يتوحد كل السعوديين خلف قيادتهم ويخلصون لوطنهم مهما نأت بهم المسافات عن ثرى الأرض ودفء الأم وأحضان الوطن. كيف أن رجلاً عن ألف رجل وهو الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود وخلفه أربعون شجاعاً خاضوا في بقعة أخرى من هذا العالم ملحمة كفاح خلدها التاريخ. الحفل الذي رعاه سعادة سفير خادم الحرمين في أيرلندا عبدالعزيز الدريس وبحضور سعادة الملحق الثقافي في أيرلندا الدكتور خالد العيسى ومنسوبي الملحقية إضافة إلى المبتعثين والمبتعثات وذويهم، كان بمثابة رسالة حب وولاء من أيرلندا. رسالة عنوانها أربعة آلاف مبتعث ومبتعثة ومرافقوهم، يمثلون في مجموعهم بذور مشروع تنموي طموح يرعاه ملك صالح عادل هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أيده الله. قائد يؤمن بأن الإنسان هو الاستثمار الأمثل للوطن وهو القادر غداً، بإذن الله، على دفع عجلة التنمية وتحقيق التحول الثقافي والمعرفي والصناعي والتقني والاجتماعي. كان لافتاً من ضمن فقرات الاحتفال ذلك الفيلم القصير الذي أعدته مجموعة من المبتعثات في أيرلندا واللاتي تجولن بعدسة الكاميرا في وسط دبلن التجاري الحيوي، وتوجهن بسؤال للمارة من مختلف الجنسيات والسحنات والمشارب: ماذا تعرفون عن المملكة العربية السعودية؟ وعلى الرغم من تنوع الإجابات وتفاوتها وطرافة بعضها، إلا أن الفيلم من وجهة نظري حمل في طياته رسالة ذكية جديرة بأن يستوعبها كل مبتعث ومبتعثة، وهي أنه بأيدينا نحن معاشر المبتعثين والمبتعثات صياغة إجابة هذا السؤال العريض، من خلال ما نزرعه من انطباعات لدى الآخر، يتحقق ذلك بسلوكنا الراقي وتعاملنا الذي يرتكز على قيمنا الإسلامية وتقاليدنا العريقة. إن ما نزرعه من انطباعات لدى الآخرين هو ما سيشكل في محصلته النهائية إجابة نموذجية عن السؤال الذهبي: ماذا يعرف الآخرون عن السعوديين ووطنهم؟ شكراً لرئيس النادي السعودي في دبلن الزميل المبتعث فيصل القرني وفريقه المبهر، لم تكن تجربتهم الأولى مع التميز ولن تكون الأخيرة، بإذن الله. كل عامٍ وأبناء عبدالله بن عبدالعزيز، من شباب وفتيات الوطن، ينثرون زاهي مشاعرهم ويبثون صدق ولائهم ويحققون رؤية والدهم القائد، كل عام وهم يبعثون برسائل حب وسلام من دبلن ومن كل عاصمة ومدينة وقرية يسافرون إليها سفراء أخلاق وعلم، وصناع نجاحات وفرح.