يقول فرانسيس بيكون: "من يبدأ بالحقائق سينتهي بالشكوك، ومن يبدأ بالشكوك سينتهي بالحقائق"، وهذه المقولة واقعية إلى حد بعيد، فلو نظرنا إلى حال الكثير من العقول الشابة التي أغرقتها موجة الإلحاد الحديثة على مجتمعنا لوجدنا أن السبب الرئيس في هذا الانجراف هو الإيمان الهش. لذا فإن التساؤلات والشكوك التي تعصف ببعض العقول عن قضايا فلسفية كالوجود والموت والخلود وغيرها تعتبر أمراً طبيعياً بل و"صحياً"، فيما لو عدنا إلى المنهج القرآني الذي يعرض الكثير من التساؤلات الوجودية لأُناس علموا أن للكون خالقا فاعتزلوا الناس وتساءلوا وبحثوا فآمنوا إيماناً قوياً مبرهن عليه، عبر حجج وأدلة صريحة الطرح، كقصة النبي إبراهيم عليه السلام في البحث عن ربه في قوله تعالى (فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين)، وهذا دليل واضح وصريح بأن الشك لا ينفي الإيمان بل يدعمه لو اتخذ مساراً منطقياً، وهذا بدليل القرآن، ومرة أخرى في قصة إبراهيم من سورة البقرة، قال تعالى: (رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) حيث يجب الاحتذاء بالتعامل الإلهي مع مثل هذا السؤال. وفيما لو عدنا إلى المنهج القرآني لوجدنا أن المعالجة الربانية لمثل هذا المشكل تكون أولاً عبر طرح واضح وموضوعي للتساؤل الفكري دون أدنى خوف من انتشار الفكرة أو تفشيها، مما يدل على أن الانتصار للحجة القرآنية، ليس من طبع القوي أن يتوارى عن المواجهة وخصوصاً في المجال الفكري والفلسفي حيث البقاء للمُقنع. فمن الأجدر بنا أن نحتضن أبناءنا قبل أن يسقطوا، وأن نوقف سيل الشتائم على المنابر والشاشات حتى لا يتسع الصدع فيصعب ردمه، فالقرآن لا يحرض بل يناظر.