بديعة عبدالله الحبابي من أعظم الأشياء التي ملكها الله للبشر ملكة الفكر، فيها يشعر الإنسان بقيمته وتقديره لذاته يتعرف من خلالها لخالقه ويرسم خطط حياته ومستقبله.. فكر الشخص يحدد أخلاقه وقيمه واتجاهاته يحدد حتى أسلوب خطابه وكلامه مع الآخرين. فنقيس سمو ورقي الأشخاص بسمو ورقي كلماتهم. يظهر تعاملك مع فكرك وقيادتك له في المواقف النفسية والاجتماعية والعملية وكذلك العلمية، فيبدع من حكم فكره واستخدمه في تحليل الأمور والوقائع وترجمها برأي أو عمل، لذلك يتفاوت الأشخاص ما بين منجز ومخفق، وحتى الإنجازات تختلف ما بين عادي ومبدع.. ويظهر مدى قيادة الشخص لفكرة بوضوح حين تثار قضية ما في المجتمع ويبدأ الأشخاص بالنقاش وطرح الآراء تتفاجأ وقتها من كمية الأشخاص الذين حددوا فكرهم وأصبحوا يسيرونه في اتجاه واحد لا يحيدون عنه حتى لو كان الرأي الآخر صحيحا واضح البينة، فهم يرفضونه ويستميتون للدفاع عن اتجاههم، لا يحقون الحق، ولا يرفعون الظلم، ففي رأيهم أن فكرهم هو الصواب وما عاداه باطل لا يقبل حتى النقاش. هل رقي الفكر محدد بثقافة الشخص؟ للأسف تلعب الثقافة دورا في إثراء المخزون اللغوي لدى البعض فقط دون فتح آفاق جديدة لفكرهم، فهنالك للأسف الكثيرون من حملة الدرجات العلمية العالية يتخذون هذا النهج بل واستخدموا أسلوب التخويف والترهيب للآخرين من استخدام فكرهم وعقولهم يلبسون لباس الدين تارة، والقبلية والمناطقية تارة أخرى أو ينادون بحرية مزيفة لكي تكون أفكار الآخرين تابعة لهم، وهؤلاء ألغوا أفكارهم وأصبحوا يرون الحقائق والأحداث من خلال أسياد فكرهم. التبعية المقيتة تجعلك تنساق خلف شخص تؤمن بأفكاره وتلك مصيبة أخرى، حيث تنتقل عدوى هذا الفكر من خلالهم ويستخدمهم كأبواق تردد كلماته وتمجد أفكاره وتقصي وتظلم الآخرين بمنظاره.. التابع الذي لا فكر له لا يميز بين الحق والباطل، وليس له منطق فلا تستطيع أن تحاور، هو أكثر فتكا بالمجتمع من المهيمن ذاته لأن الأخير لا يواجه، يعمل في الخلف يجد أيدي يحركها كيف يشاء ويضرب بها فكر الآخرين ويظلم ويبطش خلف ستار أتباعه. من أعظم نعم استقلالية الفكر قدرته على التدبر، والتدبر في الكون بجميع مستوياته وفئاته يوصل للإيمان، وكذلك التدبر في القرآن كان سببا في تغيير حياة كثير من الناس، والتدبر في الحقائق والأحداث يوصل للحقيقة، لماذا يريدون أن يحاصروا أفكار الناس ويجعلونها مستنسخة بغيضة. نسوا أن سيد الخلق محمد بعث لأمة كانت تزخر بالأفكار المتعددة والديانات المختلفة وبيئة أقل ما يقال عنها متصلبة الرأي لكنه كان واسع الأفق، حكيم الرأي، يقبل الرأي والرأي الآخر مستمعا جيدا، حليما عادلا، لم يتحيز لشخص أو فئة دون الأخرى، لم يكن سيئ الظن، بأبي وأمي أنت يا رسول الله. هذا الفكر حباك الله به ملك شخصي لك لا تفرط به بتبعية بغيضة، ولا تصادره لحساب جهة خلاف الأخرى.. كن قائد فكرك وأبحر به في كل جانب وكل اتجاه وفق دينك وخلقك ومجتمعك واحذر أن تكون أحادي الجانب فتصبح سيدا على فكرك لا تابعا.