أثار خضوع محافظة نينوى لسيطرة تنظيم "داعش"، مخاوف وقلق الأوساط الشعبية والسياسية العراقية على حد سواء، وسط احتمال سقوط مدن أخرى تحت هيمنة عناصر الجماعات المسلحة، وتكرار تجربة الفلوجة، نتيجة فشل الأجهزة الأمنية، وقوات الجيش العراقي في أداء واجباتها، وفيما اعتادت الحكومة ممثلة في رئيسها نوري المالكي توجيه الاتهامات إلى دول عربية بدعم الإرهابيين ماليا ولوجستيا، أثبتت الأحداث أن القائد العام للقوات المسلحة المالكي وفريقه العسكري غير قادرين على حماية المواطنين. جيش بلا عقيدة عضو ائتلاف متحدون ممثل محافظة نينوى في مجلس النواب محمد إقبال، عزا سيطرة المسلحين على مدينة الموصل، إلى سوء التخطيط، وافتقار الجيش إلى العقيدة. ومضى يقول في تحليله ل"الوطن"، إن "القوات الأمنية التي تشرف على حماية محافظة نينوى، تركت مواقعها ومقراتها بشكل مفاجئ، وبدأت المجاميع الإرهابية بعد ذلك بدخول المدينة، من دون أية مواجهات أو اشتباكات، وأدى فرار تلك القوات، إلى إحداث فراغ أمني، مهد الطريق لدخول المجاميع الإرهابية للموصل وفرضت سيطرتها عليها بالكامل، بما في ذلك المباني الحكومية، وأطلقت سراح السجناء. ريبة في تسارع الأحداث إقبال يجد أن تسارع الأحداث في المدينة يثير الاستغراب، ويقول في هذا الصدد "ما جرى في الموصل عملية "تسليم وتسلم" بين قوات الجيش العراقي والمجاميع المسلحة. هذا أمر يثير الاستغراب، لاسيما بتجاهل جهود كانت تقوم بها أطراف من مدينة الموصل، لدخول البيشمركه للمدينة، وتحريرها، إلا أن رئيس الحكومة، نوري المالكي، رفض دخولها، فتمكنت مئات من العناصر المسلحة من الاستيلاء على مدينة كبيرة جداً كالموصل، يقطنها 1.7 مليون نسمة، في غضون ساعات معدودة. فمحافظة نينوى كانت خاضعة لإشراف فرقتين من الجيش، تضمان 30 ألف مقاتل، وفرقة واحدة من الشرطة الاتحادية قوامها 30 ألف منتسب، فضلاً عن وجود 30 ألف منتسب من الشرطة المحلية، وفوج من سوات وآخر للطوارئ، تلك القوات لو قامت بواجبها الحقيقي وعملت بموجب العقيدة العسكرية، لما استطاعت المجاميع الإرهابية دخول نينوى". مدن مرشحة للسقوط تخلي القوات العسكرية عن أداء واجباتها، فتح احتمالات سقوط مدن أخرى بيد الجماعات المسلحة، فمناطق حزام بغداد، وقرى محافظات ديالى، وكركوك، تشهد يومياً مواجهات مسلحة، تمهيداً لاحتلالها وتكرار تجربة الفلوجة. النائب عن التحالف الكردستاني محسن السعدون يرى في حديث له مع "الوطن"، أن القوات الأمنية المتواجدة في الموصل انسحبت بدلاً من منع دخول المجاميع المسلحة للمدينة، ولم تقاوم قيادة عمليات نينوى وباقي التشكيلات العسكرية المسلحين، على الرغم من قلة عددها، مقارنة بالتشكيلات العسكرية. "أعتقد أن سقوط الموصل سيمهد الطريق للسيطرة على محافظات أخرى، سقوط محافظة نينوى بيد المجاميع المسلحة يهدد المحافظاتالعراقية الأخرى، ويضعها في مواجهة خطر الإرهاب وهجماته، لاسيما أن الجماعات المسلحة فتحت أكثر من جبهة لتكرار سيناريو الفلوجة. وأنا أحذر من خطورة الوضع وتداعياته على الأوضاع السياسية والاجتماعية، نتيجة المعلومات التي أفادت بأن مسلحين من "تنظيم داعش"، سيطروا على الأبنية الحكومية والأمنية في قضاء الحويجة، ونواحي الزاب، والرياض، والعباسي، والرشاد، غربي محافظة كركوك". ولم تسكت أربيل على الأمر المتدهور في المدن العراقية، حيث أكدت وزارة البيشمركه في إقليم كردستان العراق تقديمها معلومات تحذيرية لبغداد، تفيد بتخطيط مجموعات مسلحة لاقتحام الموصل، بحسب ما أكده أمين عام وزارة حرس إقليم البيشمركه الفريق جبار الياور، الذي أكد ل"الوطن"، أن وزارة البيشمركه قدمت معلومات تحذيرية لبغداد منذ مطلع العام الماضي، بشأن مجموعات مسلحة تخطط لاقتحام الموصل. وقال الياور "كررنا ذلك خلال عدة اجتماعات مع قيادات الجيش العراقي، لكنهم لم يأخذوا الأمر على محمل الجد، وطلبنا من القادة العسكريين أن نتعاون بجهد استخباري وعسكري مشترك، لإحباط ما تتعرض له محافظة نينوى من تهديدات، لكنهم راحوا يفسرون مقترحاتنا بطريقة سياسية ولم يثقوا بمعلوماتنا. ما حدث في الموصل أمر مؤسف، فقد تبعثرت فرقتان عسكريتان، وتركتا كل الأسلحة لتنظيم داعش الإرهابي". وعن مشاركة حرس إقليم كردستان العراق "البيشمركه" مع الجيش العراقي في خطة لاستعادة الموصل، يقول الياور "حتى الآن لم نتلق طلباً من قبل الحكومة المركزية بمشاركة الجيش العراقي لاستعادة السيطرة على الموصل، لكننا حالياً نبادر لمساعدة النازحين المدنيين الذين يواجهون ظروفا مأساوية، كما قدمنا تسهيلات لكبار قادة الجيش، وقمنا بإخلائهم إلى أربيل حيث غادروا عبر مطارها إلى بغداد وكلفنا بمهمة حماية سد الموصل". سقوط الحويجة قضاء الحويجة الواقع جنوب غرب محافظة كركوك، هو الآخر أصبح تحت سيطرة داعش، من دون مقاومة تذكر، على حد قول رئيس مجلس قضاء الحويجة حسين علي صالح الجبوري، الذي قال "غادرنا القضاء بعد صدور أوامر عسكرية للجيش والشرطة المتواجدين في الأبنية الحكومية بالقضاء بالانسحاب، مما أعطى المجال لعناصر داعش بالدخول والقيام باستعراض ووضع أعلامها فوق مركز شرطة الحويجة وأبنية الإدارة والمجلس". عجزت القوات المسلحة عن استعادة قضاء الفلوجة منذ قرابة عام كامل على اندلاع الأزمة في محافظة الأنبار، الأمر الذي يشير إلى وجود خلل في القيادة العسكرية. وفي هذا السياق قال العميد الركن المتقاعد محمد العبيدي ل"الوطن"، إن "سيناريو استيلاء الجماعات المسلحة على الموصل، يشبه ذلك الذي حدث في الأنبار، وانسحاب القوات الأمنية من المدينة بالسياقات العسكرية المعروفة، يعد "هزيمة"، نتيجة عدم وجود خطة عسكرية واضحة لإدارة المعركة. شهود عيان في مناطق الطارمية والضلوعية والإسحاقي، شمالي بغداد، أفادوا بأن مئات العجلات العائدة للجيش يستقلها مسلحون يعتقد أنهم من عناصر "تنظيم داعش بدأت تتوجه إلى مناطقهم وتتمركز في القرى القريبة من الطريق العام الرابط بين بغداد والموصل، مرجحين اندلاع مواجهات مسلحة بين قوات الجيش والمسلحين على مشارف العاصمة. المسؤول المحلي في ناحية بلد مجيد الحسن قال ل"الوطن"، إن هذه القوة الكبيرة لداعش، من الممكن أن تصطدم بأكبر قوة للجيش العراقي تتمركز في مناطق بلد والدجيل، حيث من المنتظر وقوع معركة كبيرة وفاصلة في تلك المناطق. ويقول "إذا نجح تنظيم داعش في اختراق مناطق الدجيل وبلد وما يجاورها من مناطق أخرى، فإن أبواب بغداد ستكون مفتوحة أمامه على مصراعيها. تحرك برلماني متأخر وعلى خلفية تدهور الأوضاع الأمنية طالبت لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب بإعادة هيكلة الفرق العسكرية المنسحبة من الموصل، ومحاسبة المقصرين وفق القانون. وذكرت عبر بيان أن "اللجنة عقدت اجتماعا وخرجت بتوصيات أعلنت فيها مساندة القوات المسلحة والأمنية في مواجهة "داعش" ومناشدة القوات المسلحة بالثبات والصمود والتصدي الشجاع له، ومطالبة القائد العام للقوات المسلحة بإعادة هيكلة الفرق العسكرية المنسحبة بأسرع وقت ممكن ومحاسبة المقصرين وفق القانون العسكري وبشكل عاجل، إضافة إلى تشكيل قوى عسكرية مدعومة من طيران الجيش والقوة الجوية، لتطهير مدينة الموصل وبالتعاون مع الأهالي والعشائر، وأن اللجنة دعت إلى فتح باب التطوع في جميع المحافظات وتحديد مراكز مؤمنة لاستقبالهم". لكن المحلل السياسي عمار المجيد عدّ التحرك البرلماني ممثلا في لجنة الأمن والدفاع "متأخراً". وقال ل"الوطن"، إن تدهور الأوضاع الأمنية واحتمال سقوط مدن أخرى بيد الجماعات المسلحة يتطلب موقفا سياسيا موحدا، وإجراءات استجواب القادة العسكريين فضلا عن بيان أسباب الانهيار الأمني في الموصل وغيرها.