واصل عبدالله البوخضر مع ازدياد الطفرة المعلوماتية والاتصال غير المحدود من شرق الأرض إلى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، وعن طريق أرقى أجهزة التواصل الاجتماعي والتطور المتصاعد، التي تزيد تبعا للاحتياج والطلب.. ظهرت على السطح بعض التراكيب المزدوجة والمكونات المرتعشة والمفتقرة لأساسيات الفن وقواعد الصنعة وقبولها المألوف، إذ تعد ثالثة الأثافي المرتكز عليها محتوى الموضوع والفكرة، وإن كانت شبه مهضومة عند البعض فأزاحت ستار العزلة عن شكلها، وميط اللثام عن فمها فأضافه نوعا آخر إليها، ومن كل الضروب والاتجاهات إلا أنها في الأخير عسيرة الهضم لدى البعض وممجوجة عند تذوقها، ومن زاوية ذلك الشعر، إذ انضم إليه "الشعر العامودي الفصيح" بما يعرف بالشعر الحر أو التفعيلة أو القصيدة النثرية، إذ يجتزئ البناء المعنوي واللفظي والوحدة الخيالية لسلامة القصد والمناسبة.. ليصبح كل من الكلمة والمعنى غير المحدود والنتيجة شكلا من أشكال النظر والرأي ومسألة من مسائل الحضور والتساهل.. كما قال البعض: إذا لم يهززك الشعر عند سماعه... فلا خليق أن يقال له شعر... ولنقرأ جميعا ما كتبه "العقاد 1889-1964" في كتابه اللغة الشاعرة، وكذلك الدكتور جابر عصفور في كتابه عوالم شعرية معاصرة "كتاب العربي العدد 88 أبريل 2012". وبين قوسين، أيها القارئ لك الخيار في التصور والرأي... وكذلك القصة، إذ دلفت إلى عالمنا الثقافي والاجتماعي على أنها فن محكي يتوافق مع الحدث والموضوع والفائدة المبتغاة منها، فمقامة القصة من حكاية إلى أقصوصة إلى قصة قصيرة وبعدها طويلة، التي تعرف من قبل البعض بعنصر الرواية بالمعنى الدارج، وولج في معجونها الحكائي السيرة الذاتية والواقعية والحدث المناسبي والتاريخي والاجتماعي، واستمر ذلك النهج الروائي في عطائه المقبول وغير المقبول، حتى استقر إلى وضع ما يشبه الانفجار حتى انهالت الكتابات ببدايتها ونضجها في تدوين بعض مشاهدها ومقاطعها لترصد هذا الفن من لحظات محكية يلقيها قارئ ويلتقطها مستمع، وتنتهي بمجرد قيام الحضور وامحاء الوجود إلى تجمع معرفي وتوافد خطابي في الزمان والمكان، وكل حسبما يعطيه من خبرة وتجربة وتخصص مرهون بين فكرة وقلم.. تولد من ذلك أيضا القصة "التويترية" أو القصة القصيرة جدا، إذ رغب منها عدد، ورغب إليها آخر، وزهد في كليهما عدد آخر، وإن كانت الكفة ربما تميل إلى عدم القبول بها في الوقت الحاضر.. فماذا يعني اختزال قصة بكامل شروطها وتمام عناصرها في سطرين أو أكثر، و بعدها يطلب من القارئ أن يبحث عن السر المراد أو الحكمة المخبوءة والمظنونة في محركات القصة، ولسنا بأبعد مما تصورها الكاتب والقاص جار الله الحميد في مهاجمته لكتاب هذا الفن بعد وصفه إياها ب"الطفح". وكما هو الحال، حينما تقلب أوراقا في ديوان نثري تتجسد أمامك شبه قصيدة موزعة على عدد أوراق الديوان بكامله، إذ تحفل كل ورقة منه بكلمة أو كلمتين.. والأمثلة لا تعد ولا تحصى في هذا المجال، ولنرجع إلى ما كنا عليه من موضوع القصة وتفاعلاتها مع راهن التواصل الحديث، إذ قال آخر: إنها تلفيق أو بروز للتجامل والتأسيس باعتبار أن المسمى أثقل وزنا من النص وتحميل المكون الأدبي ما لا يحتمل وقال آخر: إنها فكرة من "زواج غير شرعي" ضاعف في معنى التمدد والتشاكل في مفهوم القصة، إذ إنك تستطيع اختصار العنوان والشخص بزمكانيته والموضوع وكذلك الفائدة أو صوتيم الحدث في أكثر من مقطع وفي صفحة واحدة ويسمى ذلك إبداعا أو وعيا يؤدي إليه.. فيتوجب علينا إذًا أن نتطوف بتلك الأجهزة الذكية ونهيب بها مكانة واستعمالا؛ لحملها استقراءات وإبداعات مشابهة إلى ما ذكر، كالتغريدات المصاحبة لبعض الممارسين لها، أو الكلمات الجمالية الموجهة ومحاولة ضم ذلك بين دفتي كتاب، وقد تفاعل بها غير واحد من المشهود لهم بالثقافة والمعرفة. وأخيرا.. هل نستطيع أن نزاوج بين التيارات الفكرية لبعضها وبالذات في الحقل الأدبي، ونحظى بولادات جديدة لنقول الشعر الحر رقم واحد "1"، أو"ش.ش.ح"، أو"ق.ن.ن" أي قصيدة نثر النثر أو القصة القصيرة جدا جدا أو رقم واحد، والأعداد مفتوحة إلى مالا نهاية.