تقول أدبيات التربية إن الشباب هم عماد الأمة ورجال الغد وصناع المستقبل المشرق؛ ولهذا يجب تسخير كل الطاقات والإمكانات البشرية وغير البشرية في سبيل إعداد هؤلاء الشباب الإعداد الأمثل؛ لقيادة دفة التميز بين شعوب العالم، هذا هو المأمول، ولكن كيف يمكن أن يصبح الأمل والحلم حقيقتين في ظل التعامل المتناقض من بعض فئات المجتمع مع هذه الشريحة الهامة؟ فكيف نريد أن يصبح أولئك الشباب قادة فاعلين ونحن نكبت جماح المبادرة لديهم، ونحجم قدراتهم ونصادر آراءهم ومقترحاتهم؟. اسمحوا لي أحبتي أن آخذكم لرحلة في حياة بعض الشباب اليومية، نبدأها من المنزل، فمثلا ذو ال10 سنوات نراه صغيرا، فلا نكترث كثيرا لما يفعل، ولكن عند قدوم ضيوف إلينا نجبره على الدخول عند والدته، فنخفيه عن ساحات الحوار والتعامل مع الآخرين، وحين يكبر قليلا ويصل إلى مرحلة المراهقة نشدد الرقابة عليه، ونحاسبه على كل شيء؛ خوفا منا عليه، وللأسف خوفنا هذا قد يصيبه بالرهبة الاجتماعية، ومن ثم الانطواء وهو مرحلة أولى من مراحل الفصام، ويستمر دور المنزل والأسرة في مراقبته، وإعطاء تقرير بالساعة عما يقوم به من سكنات وحركات، ذهب إلى فلان وشاهد فليما وثائقيا في القناة الأولى..إلخ، بل إن بعض الآباء زاد في حرصه لدرجة أنه يحسب عليه الدقائق عند دخول ولده دورة المياه أكرمكم الله فيناديه بين الفينة والأخرى، وهذا الأمر محزن للغاية، ولكنه واقع لدى كثير من الأسر، وقد أكده لي كثير من الشباب، فبمثل هذه التصرفات ننزع ثقة الشاب في نفسه، ونزرع فيه ثقافة الخوف من كل شيء. هذا في المنزل، فكيف يتصرف بعض الآباء مع ابنه في المسجد مثلا؟ ففي الطريق إلى المسجد يؤكد عليه أن يصلي بجانبه، والويل له والثبور إن لم يفعل ذلك، ويجب أن يبتعد عن الاختلاط أو الحديث مع علان وابن فلان، ويجب أن يسلم على يد عمه فلتان إذا شاهده، فيدخل الشاب المسجد ورأسه وتفكيره مليئان بالأوامر وما يقابلها من أنواع العقاب، تقام الصلاة وهو مشغول الفكر بغيرها، يصلي بجانب والده وقد لا يعلم هل قرأ الإمام الفاتحة أم لا؟ فكل همه أن يكون والده راضيا عن وضع يديه، ونظرته إلى مكان السجود، وقد يكون أحد أظافره طويلا فيخفيه عن عيني والده الباحثتين عن كل ما هو سلبي. أما الصلاة فهو بها ويؤديها جسدا بلا روح لا.. والأغرب من ذلك، أن بعض الآباء على الرغم من أن ابنه صلى بجانبه، إلا أنه عند العودة من المسجد يسأله صليت يا ولدي، فيجيب الشاب بالإيجاب، فما الداعي لمثل هذا السؤال الذي يعمق ضعف الثقة في النفس؟ هذا في المسجد، أما في المناسبات العامة فإن هناك تعليمات أشد صرامة وأكثر حيثيات، اسمحولي أن انتقل بكم إلى المدرسة، بداية من كلمة مدير المدرسة في طابور الصباح، التي تؤكد على وجوب الالتزام بالنظام والتمسك به والانصياع والاستماع وتنفيذ تعليمات المعلمين و.. و.. إلخ . فيدخل الطالب فصله ليجد أسلوبا تدريسيا عقيما وطريقة عرض من العصور الوسطى على الرغم من حيوية المنهج في بعض الموضوعات إلا أن المطلوب هو الحفظ والحفظ فقط. فيتلقى الأوامر استمع، ادرس، احفظ، اكتب، وحل الواجب وإلا فإن الدرجة صفر، وقس على ذلك ما شئت. فكثير من المدارس والمدرسين لا يجيدون فن الحوار والإقناع والتعاون وجذب الطلاب، ويتكاسل بتعاون المشرف المقيم والزائر عن تطوير كفاياته التدريسية، فيصبح شخصا مملا عطفا على مادته وحصته وإدارته لصفه وطريقة عرضه، ولا تهون جامعاتنا فليست بعيدة عن سياسة التعليم العام، بل إن ظلم بعض أساتذة الجامعات لطلابهم واضح وصريح. هذا في المدرسة والجامعة، أما العنصر الآخر المهم أيضا في هذا الجانب، فهو المجتمع الذي ينتمي إليه هذا الشاب، ففي السوق مثلا هذا الشاب متهم، وإن لم يفعل شيئا حتى يغادر ذلك السوق، وفي الحديقة لا بد من وضع جرس في قدمي الشاب، ولا يزيد عن المترين إذا ابتعد عن موقع عائلته في الحديقة، خاصة أن المواقع الترفيهية الخاصة بالشباب محدودة إن لم تكن نادرة. فمن خلال ما سبق هل نحن نكره الشباب؟ أعتقد جازما أن كثيرا من الشباب يؤكدون ذلك، وأنا هنا أجزم بأننا نحب الشباب ونقدر احتياجهم للتعامل الواعي، آملا أن يراجع كل أب طرق وأساليب تعامله مع أبناء مجتمعه، سواء كان معلما أو عضوا فاعلا في هذا المجتمع المعطاء. فالشباب أيها الأحبة بحاجة إلى أن نحتضنهم بأساليب تربوية وترفيهية يميزها العقل والمنطق على أرض الواقع العالمي، وما يحيط بنا من تحولات وتطورات وفق الشريعة الإسلامية السمحة لا نحيد عنها قيد أنملة.