يغفل تاريخ رواية الحديث في الفقه الإسلامي الدور الأساس، الذي أدته آلاف النساء المسلمات؛ في نقل الحديث النبوي الشريف، وتصحيح سنده وتعليمه للرجال والنساء في مساجد الحواضر الإسلامية. من هنا، بدأ المحاضر في جامعة أكسفورد البريطانية الدكتور محمد أكرم الندوي، في تأليف موسوعة ضخمة بالعربية تقع في 50 مجلدا، استمر العمل عليها نحو 15 عاما؛ تحت عنوان "الوفاء في أسماء النساء" (المحدثات)، التي انتهى من إنجازها قبل 4 سنوات، ولكنها لم تجد طريقها إلى الطباعة والنشر حتى الآن. يقول الندوي البريطاني ذو الأصول الهندية في حديث إلى "الوطن" على هامش منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، الذي عقد في أبوظبي أخيرا، إن الموسوعة هي "ترجمة للنساء اللاتي عرفن بالحديث النبوي الشريف سماعا وإجازة ورواية وتأليفا وكتابة منذ عهد النبي إلى يومنا هذا". أما الهدف من العمل فهو "الرغبة في تشجيع المرأة المسلمة نحو التعليم والتربية؛ اقتداء بالعهد الإسلامي الزاهر، ودفاعا ضد التهم التي يوجهها المستشرقون بأن المرأة المسلمة مظلومة أو مضطهدة". أما شرارة البداية، التي أوحت له بضرورة البدء في التأليف، فهي مقالة قرأها على صفحات جريدة "التايمز" البريطانية عندما قدم إلى بريطانيا أوائل تسعينيات القرن الماضي، وفيها اتهام للإسلام بأنه يعرقل تعليم المرأة. ويضيف: "كنت أعرف أن هناك نساء مسلمات روين الحديث، فجمعت تراجمهن، وكنت سأكتفي بمجلد أو مجلدين لدفع التهمة. وعند البدء في العمل والاطلاع على المخطوطات في السعودية وسورية والمغرب والهند وتركيا، وجدت أن المعلومات كثيرة جدا وتحتاج إلى التوسع". واستند الندوي في رحلة التأليف إلى كتب الحديث الصحيحة، إلى جانب كتب المساند والسير والتراجم ومعاجم الشيوخ، وكتب الرجال والنساء الذين عرفوا بالرواية، والمخطوطات. كما اكتشف وجود أخطاء في قراءة بعض الأسماء والمعلومات في بحثه الطويل، وأصبحت لديه خبرة في قراءة المخطوطات ونقدها. وكان من أبرز النساء اللاتي لفتت سيرتها انتباهه الراوية أم إبراهيم فاطمة البطائحية، التي توفيت سنة 711 ه في دمشق، وأخذت صحيح البخاري عن العالم حسين بن مبارك الزبيدي، الذي درسه مرتين في الجامع المظفري بقاسيون وجامع بني أمية، للرجال والنساء. وعند ذهابها إلى الحج عرفها العلماء في المدينةالمنورة، ثم درّست صحيح البخاري وغيره في المسجد النبوي الشريف. وكانت تمنح شهادة الإجازة بخط يدها بعد كل درس". ويستعرض الندوي حجم الموسوعة قائلا: "إن كل مجلد يضم 600 صفحة تقريبا، ترجمت فيها لنحو 9 آلاف امرأة عملت في الحديث النبوي الشريف، ولكنها موجودة لدي على الحاسوب، وظللت أبحث عمن يطبع الكتاب، ولكن لم يحصل شيء من ذلك؛ نظرا للتكلفة الباهظة. فطباعة 3 آلاف نسخة تكلف نحو 400 ألف دولار بحسب تقدير إحدى دور النشر في لبنان. وكتبت مقدمة للكتاب بالعربية في 600 صفحة، ثم لخصتها ونشرتها بالإنجليزية، وطبعت مرتين".