يجري جنوب السودان استفتاء في التاسع من يناير المقبل على الاستقلال عن الشمال ويعتقد معظم المحللين أن الجنوب سينفصل. لكن البعض يتساءل ما إذا كانت المنطقة التي دمرتها حرب أهلية استمرت لعقود من الزمان لكنها غنية بالموارد يمكن أن تعيش مستقلة عن الشمال الذي حاربته لفترة طويلة. ويقول محللون يرفضون سيناريو أن الانفصال يعني نهاية العالم إن الجنوب شبه المستقل يحكم ذاتيا منذ توقيع اتفاقية السلام في عام 2005 وإنه لن تتغير أشياء كثيرة بعد الاستفتاء. وبعد الحرب الأهلية التي استمرت لأكثر من 20 عاما مع الشمال سمح الاتفاق للحركة الشعبية لتحرير السودان حركة التمرد السابقة في جنوب السودان بأن تحكم الجنوب وتحصل على مليارات الدولارات من أموال المانحين وعائدات النفط. وقال مارك جوستافسون وهو باحث متخصص في السودان في جامعة أوكسفورد "تتمتع حكومة جنوب السودان في الوقت الحالي بقدر كبير من الاستقلال الفعلي. لديها مجلس تشريعي خاص بها ولديها قوات أمن خاصة بها وتسيطر على قدر لا مثيل له من الثروة الحكومية بسبب عائدات النفط". ويتوقع كثير من المسؤولين في الجنوب أن يستمر العمل كالمعتاد في مشروعات الجنوب التنموية وأن يستمر التنسيق مع جيرانه الشماليين بعد الانفصال. وقال إيزاك ليابويل من وزارة الموارد المائية إنه يجري الإعداد لعدد من مشاريع التنمية الزراعية ومشاريع الطاقة الكهرومائية في الجنوب والتي تمول تمويلا مشتركا من الجنوب والشمال وقد تستمر إذا تم الاتفاق على المسائل المتعلقة بالتمويل. وهناك اتفاق عام على أنه ستكون هناك حاجة لمليارات الدولارات من المساعدات لدعم التنمية في الجنوب. ومن المحتمل أن تبقى بعثة لحفظ السلام تابعة للأمم المتحدة للمساعدة في قضايا الأمن في الجنوب وعلى طول الحدود المتنازع عليها بين الشمال والجنوب. كما أن هنالك تساؤلا مطروحا حول مقومات البقاء اقتصاديا التي تتوفر للجنوب. الواقع أن الجنوب يحصل على 98% من إيرادات ميزانيته من النفط ولكن كل البنية التحتية وموانيء السودان في الشمال مما يجعل الجنوب معرضا بشدة لأي توتر مع الشمال. وفي ظل غياب خط أنابيب أو معمل لتكرير النفط في الجنوب فمن المرجح أن يستمر التشارك في النفط بعد الانفصال ولكن الجانبين يناقشان ما إذا كان سيظل التشارك مناصفة تقريبا. وأفادت المسؤولة عن الإغاثة الإنسانية في جنوب السودان التابعة للأمم المتحدة ليزا جراند أن الجنوب أنشأ منذ اتفاقية السلام وبمساعدة من المانحين 29 وزارة وشق ستة آلاف كيلومتر من الطرق البدائية وزاد مستوي الانتظام في التعليم إلى أربعة أمثاله وقضى على تفشي شلل الأطفال والحصبة. ولكن جنوب السودان يبدأ من كونه أحد أفقر مناطق العالم والذي تورط في حرب طول الفترة منذ عام 1955 باستثناء سنوات قليلة. وقالت جراند "في عام 2005 لم تكن هناك مدارس عاملة ولم تكن هناك منظومة صحية عاملة. وهذا يعني أن الحديث حول بناء منظومة من الصفر". والمشروعات الخاصة مقيدة بشدة نظرا لعدم توافر البنية الأساسية - ولا يوجد في الجنوب سوى 60 كيلومترا من الطرق المهدة. ويقول دبلوماسيون ومصادر مخابرات إن الغرب وإفريقيا لا يستطيعان تحمل صومالا آخر في شرق إفريقيا ولن يدخروا وسعا للحيلولة دون أن يصبح جنوب السودان دولة فاشلة. ولكن أبيي أبعد ما تكون عن الحل ويعتقد كثيرون أنها ستظل سببا للخلاف وربما تصبح سببا للعودة إلى الحرب. وقد تكون حرب جديدة بين شمال السودان وجنوبه أكثر تدميرا من هجمات المسلحين إبان الحرب الأهلية التي حصدت مليونين من القتلى وأدت إلى نزوح أربعة ملايين عن ديارهم وزعزعت الاستقرار في مناطق كثيرة في شرق إفريقيا.