لا يخفي المبتعث زياد عابد إصراره على استكمال دراسته في علم الطيران على الرغم من انقطاعه عنها قسرا، بعد أن أودع السجن في ولاية ميزوري الأميركية 11 شهرا؛ بتهمة التحريض على قتل رجل أعمال أميركي، علما أنها المدة التي كانت تلزمه ليتخرج. إلا أن زياد الذي خرج من تلك التجربة "منتصرا" بعد ثبوت براءته وعودته إلى المملكة، ينكب حاليا على أمرين هما: البحث عن أفضل السبل لاستكمال دراسته، ووضع خطة لمقاضاة مفبركي القضية الذين تحاملوا عليه إعلاميا، ومطالبتهم بتعويض عن فترة سجنه وتضرره ماليا ومعنويا وعلميا. وروى زياد ل"الوطن" التي زارته بمنزله في جدة تفاصيل القضية كاملة، وكل ما تعرض له أثناء توقيفه وإيداعه السجن الانفرادي في زنزانة تسمى "الحفرة"، وإنه لم ير نور الشمس سوى 5 دقائق خلال فترة سجنه.
لم تنل الشهور ال11 التي قضاها المبتعث السعودي زياد عابد، "ظلما" خلف القضبان في سجن أميركي من عزيمته، إذ سرعان ما بدأ بعد عودته إلى المملكة في البحث عن أفضل السبل التي تقوده إلى تحقيق حلمه وإكمال دراسته في علوم الطيران التي لم يكن يفصله عن تحقيقها سوى عام دراسي واحد في جامعة ميزوري الأميركية. كما أنه يرتب حاليا خطة للرد على القضية المفبركة ضده، وسيطالب بتعويض مالي عن فترة السجن وتضرره المادي والمعنوي والعلمي. فزياد الذي نال براءته من تهمة التحريض على قتل رجل أعمال أميركي العام الماضي، قاوم كل الضغوط النفسية التي مارستها السلطات المحلية لولاية ميزوري الأميركية ضده خلال فترة حبسه بينها شهران كاملان ول23 ساعة يوميا، أمضاهما في زنزانة تدعى "الحفرة" وهي لا ترتقي لأبسط الحقوق البشرية، فجدرانها سوداء عازلة للصوت ومساحتها بالكاد تكفي لجلوس السجين، وخالية من النوافذ، وصنبور مياه الشرب مدمج بكرسي قضاء الحاجة. كما أنه لم ير خلال تلك الفترة نور الشمس سوى 5 دقائق عندما أخرجه حراس السجن مكبلا إلى الباحة الخلفية. الرواية كاملة ويروي زياد ل"الوطن" التي زارته في جدة، تفاصيل الفترة العصيبة التي مر بها بعدما زج اسمه في قضية مقتل رجل أعمال أميركي يدعى بلاين ويثورث في مدينة وارينسبرغ التابعة لمقاطعة جونسون في ولاية ميزوري الأميركية، إضافة إلى علاقة الزمالة بينه وبين القاتل المفترض ريجينالد سينجليتاري، إضافة إلى حياته داخل سجن المقاطعة الذي كان الأكثر مكوثا فيه، إضافة إلى تأثر دراسته وتوقف بعثته، وصولاً إلى خبر الإفراج عنه بعدما فشل الادعاء العام في التوقيع على صفقة مع القاتل المفترض يعترف بها بتورط زياد مقابل حصوله على حكم مخفف. ويقول: "تعود تفاصيل الحادثة وفقا لملفات التحقيقات، إلى يوم الجمعة 31 أغسطس 2012، عندما ذكر ريجينالد وهو زميل دراسة وموظف في جامعة ميزوري فالي، بأنه سيقوم بزيارة أهله في مدينة كنساس بمناسبة عيد العمال على أن يعود يوم الاثنين، وأنا كنت حينها أتدرب على دروس الطيران. في اليوم التالي لسفر ريجنالد قتل بلاين، وتبين أنه ارتكب الجريمة واتجه لمدينة ليث سوميت، في محاولة لتضليل العدالة. القاتل وزوجته وأشارت التحقيقات إلى أن القاتل التقى زوجته في فترة الظهيرة ليوم الجريمة وأعلمها بأنه تعامل مع عصابة من المجرمين مقابل مبالغ مالية كبيرة، وأغروه لتنفيذ بعض الخطط، وأنه اكتشف أن اثنين من أفراد العصابة يعملان في الحكومة التابعة لولاية ميزوري، وحينها أصيب بخوف، إذ لم يتوقع أنهم يملكون سلطة ونفوذا كبيرين وهددوه بتصفية عائلته المكونة من زوجته السابقة وطفليه في حال عدم ارتكابه الجريمة في الأول من سبتمبر، وتواصلوا معه عبر رقم خاص، ولكنه لم يأخذ التهديد على محمل الجد إلى أن أعلموه بمكان إقامة زوجته السابقة وأوقات دقيقة لساعات ذهاب ولديه إلى المدرسة وعودتهما منها، علماً أن القاتل نفسه لم يكن يعلم بمكان إقامة زوجته السابقة لأنه كان ممنوعا من الاقتراب من سكنها بأمر من المحكمة. وعندما أصبح الأمر مرتبطاً بعائلته أخذ الأمر على محمل الجد، وسأل زوجته بالتكتم على السر، طالباً منها الانتقال إلى مكان آخر مع الطفلين وتغيير اسميهما في حال فشل بارتكاب الجريمة، كما أعلمها بأنه اتخذ احتياطاته لارتكاب الجريمة والنجاة من العقوبة، وأنه سيتصل بها الأحد صباحا ليخبرها بارتكابه للجريمة، وفي حال عدم اتصاله فإن عليها نقل الطفلين كما تم الاتفاق عليه. إلا أن الزوجة أبلغت شرطة مدينة سيداليا بتفاصيل اللقاء وقالت لها الشرطة إنها ستحمي الطفلين وإنها لا تستطيع أن تفعل شيئا حيال الجريمة لأنها لم تحصل، ولكن الزوجة لم تقتنع برد الشرطي، فذهبت لاستشارة محققة، فأعلمتها أن تصرف الشرطي كان صحيحا ومطابقا للقانون الأميركي. وبعد ساعة تقريبا حصلت الجريمة وأرغمت الزوجة على إبلاغ الشرطة في وارينسبرغ، على الرغم من كونها كانت متخوفة من تورط أحد أعضاء الشرطة في الدفع إلى الجريمة، وفقا لما ذكره لها زوجها السابق لأنهم لا يعرفون الأشخاص الذين طلبوا منهم. وفي يوم الثلاثاء قابلها زوجها وأعلمها بأن له دورا في ارتكاب الجريمة، فجاءت الشرطة وقبضت عليه، حيث كانت قد ثبتت أجهزة تنصت تحت ملابسها. مواساة فاعتقال ويشير زياد إلى أن خبر مقتل الأميركي وصله بعد ساعات من الجريمة عبر أحد الأصدقاء، فعاد إلى المدينة وواسى أسرة المجني عليه. ويضيف: عندما كنت عائدا من الجامعة يوم الثلاثاء ألقي القبض علي وحقق معي، لكنني نفيت أي علاقة لي بالجريمة، إلا أن المحققين طلبوا من سينجليتاري الذي اعترف بفعلته وبررها بخوفه على عائلته، أن يقول إنني حرضته على تنفيذ الجريمة مقابل مبلغ مالي، على أن يخفف الحكم عليه من المؤبد إلى السجن 15 أو 20 عاماً لكنه رفض وأبلغهم أن شخصا آخر كان معه هو من أطلق النار ولا يعرف مكانه.. وظل الادعاء العام على مدار 11 شهرا يحاول العثور على أدلة تدينني فلم يستطع، وبالتالي سقطت التهم الموجهة إلي بحكم المنطق. قلق وابتسامة وفيما يتعلق بفترة سجنه، يقول زياد إنه لم يكن يأبه لما يحدث معه بقدر ما كان تفكيره منصباً على أهله وأصدقائه ومحبيه، لافتاً إلى أن ابتساماته المتكررة في المحكمة كانت بمثابة رسالة إليهم بأنه صامد وسيظل صامدا، إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالقضية. وأشار إلى أنه تعرض خلال السجن لكثير من المشاكل، أبرزها الطعام ونوعيته وكميته وشعوره الدائم بالجوع، فالكميات لا تكفي أبداً وبعض المساجين مستعد للقيام بأي شيء للحصول على كمية قليلة من الطعام، فضلا عن السجن الانفرادي لساعات طويلة. ويضيف: لقد سجنت في أسوأ أنواع الزنزانات وهو ما يدعى زنزانة الحفرة التي يودع السجناء الجدد فيها ليوم واحد وهي عبارة عن زنزانة عرضها 80 سم وطولها متران، وفيها كرسي حمام مدمج معه صنبور لشرب الماء، وسرير. أما الجدران فلونها أسود وهي تعزل الصوت وبلا نوافذ، كما يمنع إدخال أي كتب أو مجلات أو أي شيء داخل الزنزانة، موضحا أن مشكلة الزنزانة أنها تترك ضغطا نفسيا كبيرا وغير طبيعي على السجناء، والغرض منها مختلف، حيث تستخدم لاحتجاز السجين الجديد لساعات ريثما تنتهي إجراءات تسجيل دخوله للسجن، ونقله إلى الزنزانة الطبيعية، أو معاقبة السجناء الذين لا يحسنون التصرف باحتجازهم فيها مدة ثلاثة أيام. طعم الحياة ويقول مستطردا: أودعوني فيها مدة شهرين كاملين، بحجة أن الزنزانات العادية ممتلئة بالسجناء، وقد شاهدت بعض الخدوش على جدران الزنزانة، فاستفسرت من أحد الحراس عنها فأجابني بأن كثيرا من السجناء فقدوا عقولهم بعد أن احتجزوا بها، وبدأوا بحفر آثار أظافرهم على الجدران، وأكد أن كثيرين نقلوا إلى مستشفى الأمراض العقلية على نقالات بسبب انهيارهم العصبي المتكرر. ويضيف عابد: طلبت تغييرها أكثر من مرة، وكانوا يرفضون، وكنت أقضي فيها 23 ساعة ويسمح لي بالانتقال إلى مكان الاستحمام مرة يوميا لمدة ساعة. تأمل السواد ويتابع: في الفترة التي أقضيها في الزنزانة لم أستطع القيام بأي شيء سوى النظر إلى الجدران السوداء، حيث لا يمكنك القيام بأي شيء أبدا، حتى إنك لا تستطيع سماع أصوات الآخرين لعزلهم لجدران الزنزانة، حتى لا تحس بطعم الحياة. والهدف الحقيقي من الزنزانة هو جعل الشخص الطبيعي غير سوي عقليا، فأي شخص طبيعي يودع داخل الزنزانة لفترة 23 ساعة يوميا لمدة طويلة ما يقارب الشهر، دون أي حاجة يعملها يفقد عقله. وبعد نقلي من الزنزانة بت أسمع أصوات المساجين داخل تلك الزنزانات لكن هم لا يسمعون من هم في الخارج، ويصرخون. ويلفت إلى أنه بعد ممارسة المحامي لضغوط نقل منها إلى أخرى مشابهة لكنها تحتوي على سريرين وهاتف. ويقول: كنت معزولا في كلا الحالتين، ولم يسمح لي بالتواصل مع المحامي، وهو حق المسجون الطبيعي بإجراء اتصال هاتفي واحد، لكنهم رفضوا ومثلت أمام القاضي في أول جلسة دون محام. وكان أول اتصال بعد أربعة أو خمسة أيام. ويقول زياد: خلال 11 شهرا تغير لون بشرتي، إذ لم أتعرض لأشعة الشمس سوى مرة واحدة بعد 6 أشهر، أخرجت فيها برفقة حارسين للباحة الخلفية للسجن، وأعلمني أحدهما أن لدي فقط 5 دقائق للنظر إلى الشمس. فقلت له: تخرجني بعد ستة أشهر وتود مني أن أرى الشمس خمس دقائق وأنا مكبل الأيدي، أعدني للزنزانة. وبعد أربعة أشهر، عادوا إلي ليخبروني بأن لدي خمس دقائق أخرى فرفضت الخروج، والحقيقة أن الهدف ليس إخراجك لترتاح إنما هو نوع من التعذيب النفسي، لوقت قليل جدا، وليخبروك ضمنيا أنه ما زالت هناك حياة في الخارج وأنهم يتحكمون في حريتك، وإن أردت الخروج فعليك الاعتراف، لتنقل إلى سجن الولاية حيث تكون ظروف الاعتقال أسهل. وذكر حارس أنني من أكثر الناس الذين مكثوا في هذا السجن". تحامل وفبركات وبالنسبة لتعامل سكان المدينة مع القضية والرد المستقبلي، أشار عابد إلى أن التحامل والحملات الإعلامية كانت كبيرة ومتحاملة، وأن البعض بدأ بابتداع ونسج قصص واهية أثرت سلبا على كل أطراف القضية. أما بخصوص تعامل العائلة مع وصول نبأ الإفراج، فيقول: كان عاطفيا جدا، خاصة أنه جاء في ال24 من شهر رمضان، أي قبل عيد الفطر بأسبوع، كان الخبر سارا جدا، خاصة أن القضايا المشابهة تستغرق سنوات. فطرق التعبير تنوعت ما بين دموع الفرح والسجود والشكر والدعاء. وبالنسبة للدراسة والخطط المستقبلية، أوضح المبتعث أنه لم يتبق له سوى سنة واحدة للتخرج في علوم الطيران، ولكن الأحداث التي حصلت معه ستجبره على دراسة سنة ونصف السنة إضافية في أي جامعة أخرى. ولفت إلى أن كثيرا من المتعلقات الشخصية وبينها كمبيوتر محمول وقرص صلب، لا زالت محتجزة لدى السلطات الأميركية.