وجه عدد من الجمعيات الإسلامية بشمال إيطاليا نداءات ورسائل إلى عدد من البلديات يتحكم فيها اليمين الإيطالي الحاكم, لمطالبتها بالكف عن عرقلة بناء المساجد وأماكن للصلاة، وكان أهم نداء هو ذلك الذي بعث به أول من أمس حميد الشاعري، رئيس المركز الإسلامي فيالي يانير بميلانو المغلق من طرف السلطات المحلية, حيث طالب فيه عمدة مدينة ميلانو ليتيتسيا موراتي بتمكين الجالية الإسلامية من بناء مسجد أو مكان مناسب يليق بحجمها ومكانتها لإقامة الصلاة. وقال عبر وسائل الإعلام الإيطالية: "لا نريد مسجدا كبيرا بل فقط مكان محترم لممارسة شعائرنا وذلك حسب ما جاء في الدستور الإيطالي ووثيقة حقوق الإنسان". وكانت بلدية ميلانو وبأمر من وزير الداخلية روبرتو ماروني التابع لحزب عصبة الشمال قد أمر قبل سنتين بإغلاق المركز الإسلامي لفيالي يانير بعد أن اتهم مصلوه بعرقلة حركة السير وبكونه يضم متطرفين وإرهابيين. نفس الشيء بالنسبة لعدد من المراكز الإسلامية بميلانو والمدن المجاورة لها التي صدر في حقها قرار بالإغلاق بعد أن ثبت أنها لا تستجيب للمعايير القانونية والصحية الجاري بها العمل. ويصلي غالبية مسلمي إيطاليا الذي يصل عددهم إلى مليون و200 ألف نسمة في أماكن كانت في السابق مستودعات للسلع وورش للعمل وشقق سكنية تم تهيئها وتأثيثها لإقامة الصلاة. وحسب عدد من الاتحادات الإسلامية كان ل"الوطن" اتصال بالمسؤولين عليها, فإن القوانين الإيطالية المعقدة تحول دون حصولهم على تراخيص لبناء مساجد تستجيب لحاجيات الجالية الإسلامية بإيطاليا. من جانب آخر، تلقت الجالية الإسلامية بروما تهاني شخصيات سياسية ودبلوماسية إيطالية بحلول شهر رمضان الكريم. وبعث عمدة روما ببرقية تهنئة أمس إلى عدد من الجمعيات الإسلامية بالمدينة شكر فيها المسلمين بإيطاليا على تسامحهم ورغبتهم في اندماج حقيقي، مؤكدا أن إدارته تسعى دائما إلى دعم الاندماج والحوار مع الإسلام. برقية أخرى توصل بها مسلمي جهة لازيو أرسلتها حاكمة الجهة ريناتا بولفيريني التي عبرت فيها عن تقديرها الخالص للجالية الإسلامية بإيطاليا مؤكدة أنها جالية تستحق كل الاحترام والتقدير. وإذا كانت جهات وبلديات وسط إيطاليا اليسارية مثل إيميليا، رومانيا، وتوسكانا قد وجه غالبية المسؤولين فيها تهانيهم للجالية الإسلامية المقيمة على أراضيها, فإن جهات وبلديات الشمال التي يسيطر عليها اليمين الإيطالي المتطرف مثل عصبة الشمال قد استعدّ بعضها لممارسة مزيد من التضييق على الجالية هناك في هذا الشهر الكريم بفرض بعض الشروط على المراكز الإسلامية أثناء صلوات التراويح بحجة عدم إزعاج السكان. وكانت وسائل الإعلام الإيطالية قد أعلنت, في مبادرة تعد الأولى من نوعها بإيطاليا, عن رؤية هلال شهر رمضان الشيء الذي نال استحسان الجالية الإسلامية بإيطاليا التي أكدت أن المبادرة ستوحد صيامها وستخرج أبناءها من دائرة الشقاق والخلاف حول اليوم الأول من رمضان. وفي السياق ذاته، منحت كنيسة مدينة جالاراتي (50 كلم شمال ميلانو), فضاء بداخلها للجالية الإسلامية هناك لإقامة صلاة التراويح. وأقام المسؤولون الكاثوليك خيمة كبيرة ومجهزة بداخل أسوار الكنيسة, تستجيب إلى جميع متطلبات المصلي أيام شهر رمضان الكريم، حيث تم وضع سجاد وأبواق لإيصال صوت الإمام ومكيفات وأغراض أخرى تكون متوفرة عادة بالمساجد. المسؤول عن البادرة مون سينيور فارنكو كارنيفالي قال إن كينسته استجابت لطلب من الجالية الإسلامية بمساعدتها على إيجاد مكان للصلاة في شهر رمضان فتم اتخاذ قرار منحها فضاء بالكنيسة. وأضاف: "نحن مطالبون بالتعاون مع إخواننا المسلمين والوقوف معهم في محنتهم في شهرهم المقدس, لهذا فمنحهم مكاناً للصلاة هو أمر ضروري". وتعاني الجالية الإسلامية بمدينة جالاراتي منذ 2005 من قرار المنع الذي فرضته عليها بلدية المدينة اليمينية والمتعلق برفض إقامة مسجد بالمدينة بحجة أن الجالية لا تتوفر على مكان مناسب له ولا تحترم الشروط القانونية لفتحه. وكان مسلمو المدينة وقبل هذا التاريخ يتوفرون على مركز إسلامي لكن وصول اليمين إلى مركز القرار وإلى إدارة البلدية عجل بإغلاقه بحجج متعددة من بينها أن المركز يزعج السكان الإيطاليين وأنه يضم متطرفين ولا يحترم في بنائه المعايير القانونية والوقائية. هذا، وتستعد المراكز الإسلامية بشمال إيطاليا للشهر الفضيل حيث سيستقبل عدد منها في الأسبوع الجاري أكثر من 30 إماماً وداعية إسلامياً سترسلهم وزارتا الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب ومصر (20 إماماً مغربياً و10 مصريين). يذكر أن الوجود الإسلامي في إيطاليا يعود إلى ما يزيد على 13 قرناً، وتحديداً منذ العام 827م حينما وصلت قوات عربية بقيادة أسد بن الفرات إلى سواحل سيسيليا، وأعقب ذلك غزو أجزاء واسعة مما يشكل جنوب إيطاليا حالياً. وانتهت هذه الحقبة من التاريخ الإسلامي في إيطاليا خلال الفترة ما بين نهاية القرن الثاني عشر وبداية القرن الثالث عشر، حيث أجبرت الثورات الشعبية وقوات النورمان وفريدريك الثاني القوات العربية على الرحيل عن المنطقة. أما الحقبة الثانية من التاريخ الإسلامي في إيطاليا فقد بدأت في عقد الثمانينيات من القرن العشرين، مع تدفق المهاجرين المسلمين على البلاد. ويتسم المجتمع المسلم بإيطاليا بوجود كثير من المنظمات التي كثيراً ما تشوب علاقاتها خلافات حادة وربما تصل إلى درجة الكراهية . ويعتبر المركز الثقافي الإسلامي في روما، التابع للمسجد الكبير في روما، أقدم المنظمات المسلمة في إيطاليا. وأقيم المسجد الكبير منذ أكثر من عشرين عاماً بتمويل من حكومات العديد من الدول المسلمة، ويشارك سفراء الدول الكبرى المانحة له في مجلس إدارته، وتحتل السعودية والمغرب (أكبر دولتين مانحتين) مكانة كبرى في إدارة المسجد. ويضطلع ماريو سيالوجا، السفير الإيطالي السابق لدى السعودية، والذي اعتنق الإسلام، بدور جوهري في إدارة علاقات المسجد بالدولة الإيطالية. لكن اقتصار المسجد جغرافياً على العاصمة روما حال دون تحوله إلى منظمة تمثل المسلمين على الصعيد الوطني.