ما إن تدخل إلى غرفة راعي الدبلوماسية الفرنسية الأول بقنصلية جدة الدكتور لويس بلين، فلن يخالجك شعورٌ منذ النظرة الأولى، أنك في مكتب دبلوماسي غربي روتيني، يعمل على إصدارالتأشيرات أو استكمال أوراق الجالية الفرنسية بجدة، بل إن الشعور الطاغي الذي سيصلك شئت أم أبيت أنك في متحف نادر من الصور للمنطقة التاريخية بجدة، التي كانت بحسب ما عبر عنه ممثل باريس في جدة ب"مهد الدبلوماسية الفرنسية"، منذ القرن التاسع عشر الميلادي. داخل مكتب لويس ذي المساحة المتوسطة، تمتزج الثقافة بالدبلوماسية، تجدها علامة فارقة في جدران ذلك الجزء من المبنى القنصلي، لن تتحدث لغة السياسة أو الدبلوماسية، بل ستجد أن التاريخ هو اللون الفاقع هنا، حيث صور المنطقة التاريخية تسطر جداريات المكان بالحديث عن الزمن القديم، عند الولوج للمكتب يمم شطرك نحو اليمين لتجد صورة المقر الرئيسي الأول للبعثة العسكرية والدبلوماسية الفرنسية بجدة والتي تعود إلى 1838. إحدى الصور الكبيرة المعلقة في غرفة القنصل كانت تجمع بين المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز والرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول؛ في إشارة إلى قدم وتجذر العلاقة بين البلدين. وكشف لويس ل"الوطن" أن يناير المقبل سيشهد معرضا لصور المنطقة التاريخية تعرض للمرة الأولى، وهي مأخوذة من أرشيف الجمهورية الفرنسية. تأطير العلاقة الجيو-معرفية بين باريس والمنطقة التاريخية، لا تتوقف هنا، لتجد صورة أخرى خلف مكتب الرجل تظهر المرحلة الثانية للفرنسيين عبر الانتقال إلى مبناهم الجديد أيضاً في المنطقة التاريخية في حدود السور الذي هدم في 1947. وكان المبنى بجانب ميناء جدة الإسلامي في عام 1917، وما يلفت النظر في حديث لويس هو مقدار العشق لهذه المنطقة، التي انتصفت فيها صورة تذكارية قديمة لمسجد الباشا الواقع بحارة الشام الذي بني في القرن الثاني عشر على يد والي جدة حينها أبوبكر حسين باشا.صور "تاريخية جدة" ليست في مكتب القنصل فقط، بل تراها موزعة في محيط المكاتب والممرات الجانبية، وردهات السلالم العلوية، وكأنك في احتفال دائم ب"تاريخية جدة". وتتجلى في الطريق إلى مكتب ملحق العمل والتعاون الثقافي بالقنصلية سبستيان لافرجيت الذي يتقن لغته الأم الفرنسية والإنجليزية، طلائع مكتبه الصغير في القبو، المتزين بصورة لميناء جدة الإسلامي بحلته القديمة حين كان يربط الجزيرة العربية بالغرب تجاريا، وظل سيباستيان لفترة ليست بالقليلة يتحدث عن المنطقة التاريخية وحواريها القديمة - التي كانت داخل السور "البحر والشام واليمن والمظلوم"، بل إنه أظهر معرفة لافتة بتفاصيل المنطقة وما طرأ عليها من تغير عمراني. عربية بلكنة شامية الدبلوماسي لويس الذي يتقن العربية بطلاقة ممزوجة بلكنة شامية، تسلم مهامه كقنصل عام بجدة وممثل الشانزلزيه كمبعوث خاص لدى منظمة التعاون الإسلامي في 25 يوليو 2012، ولديه معرفة عميقة بالمشرق العربي، حيث التحق بداية عمله بالخارجية الفرنسية عبر قسم الشرق الأوسط، وعين مسؤولاً عن ملف إسرائيل والأراضي الفلسطينية وعملية السلام. ثم شغل منصب مستشار أول في سفارة فرنسا في أبو ظبي، ومن ثمّ عُيَّن قنصلا عاما لفرنسا في الإسكندرية وعمل في وقت لاحق بالقاهرة أربع سنوات كباحث في علم الاقتصاد بمركز الأبحاث والتوثيق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية. ولدى عودته إلى باريس، عُيّن مساعدا لنائب مدير الأمن لدى وزارة الخارجية، ومن ثمّ انتدب من وزارة الدفاع كمستشار لمدير الشؤون الاستراتيجية لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط. وقبل التحاقه بمنصبه في جدة، وشغل مركز نائب مدير في مديرية التعاون في مجالي الأمن والدفاع لدى وزارة الخارجية.