في إطار الإجابة عن سر العلل الحقيقية التي أفضت ب"صاحبة الجلالة" في المملكة إلى ترتيب دولي متأخر؛ يحاول عدد من رؤساء التحرير والإعلاميين والكتاب في حديثهم إلى "الوطن" تحليل واقع "السلطة الرابعة" الذي جعل مسؤولين يتجاوزون الأنظمة ويستدعون صحفيين ويحققون معهم. فضلا عن التساؤلات حول دور هيئة الصحفيين السعوديين التي قال أمينها الدكتور عبدالله الجحلان "إن آلية التعاطي مع المخالفات الصحفية؛ أقرت من أعلى سلطة، بنظام واضح، وبالتالي فإن من يستدعون الصحفيين مخالفون للنظام، وهنا يأتي دور الجهات الرسمية لحماية نظامها". في حين أكد رئيس التحرير المساعد لصحيفة الحياة جميل الذيابي أن "الهيئة لا تزال تفتقد ثقة الصحفيين، وأنا مع تفعيل دورها، وعدم الصمت ومحاسبة كل مسؤول متجاوز على الصحفيين أيا كان موقعه". فيما طالب رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية سلمان الدوسري بخروج رؤساء التحرير من هيئة الصحفيين قائلا "ارحلوا يرحمكم الله". واتفق الذيابي معه في ذلك. بدوره، قال الكاتب علي سعد الموسى "حين يقرأ مسؤولون رقمنا المتذيل جدا لمؤشر حرية الصحافة؛ ماذا سيفعلون مع الصحفيين وهم يعرفون أن المسألة بلا رادع أو رقابة وأن الصحفي بلا حماية؟". بين هيئة الصحفيين السعوديين، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، يرزح واقع الصحافة السعودية تحت جملة من المفارقات التي خرجت من رحم الإهمال لأهمية دور الصحافة، ما أفضى إلى الترتيب الدولي المتأخر جدا لحرية الصحافة في المملكة. ففي الوقت الذي تعتمد فيه الاستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد بشكل كبير على "وسائل الإعلام" كرافد مهم لتشخيص مشكلة الفساد؛ يتعرض صحفيون لأنواع شتى من التجاوزات المتمثلة في المضايقات والضغوط والملاحقات غير النظامية في معظمها، فقط لأنهم طرحوا بعض الأفكار للنقاش أو كشفوا عن قضايا فساد، في الوقت الذي تتعالى فيه المطالبات بتطوير الأنظمة الداخلية الخاصة بالإعلام لتواكب العالم. في حين تتزايد المطالبات لهيئة الصحفيين بأن تضطلع بدور أكبر ومؤثر يحمي هيبة "صاحبة الجلالة". وسيلة إصلاح "معرقلة" أوردت استراتيجية مكافحة الفساد، الصادرة عن مجلس الوزراء في فبراير 2007، في فقرتها الثالثة "رصد ما ينشر في وسائل الإعلام عن موضوع حماية النزاهة ومكافحة الفساد". و"كفالة حرية تداول المعلومات عن شؤون الفساد بين عامة الجمهور ووسائل الإعلام"، إلا أن كثيرا من الصحفيين يجدون أنفسهم عاجزين عن الحصول على المعلومة بشكل طبيعي، إذ يتهاون الكثير من الجهات ومتحدثيها الرسميين، في الرد على الصحفيين، ويعتبرون ذلك عملاً إضافيا لا يحاسبون على التقصير فيه، على الرغم من التوجيهات السامية بعدم التأخر في الرد على ما يطرح في وسائل الإعلام. هل ما زالت سلطة رابعة؟ يرى رئيس التحرير المساعد في صحيفة الحياة الزميل جميل الذيابي أن الصحافة السعودية حققت نجاحات فيما يخص جانبها الانتشاري والمهني والتأثيري، مما جعلها حاضرة، رغم وجود كثير من المعوقات التي تقف في وجه تقدمها، بما يوازي تسارع التقدم التكنولوجي والتقني في المجال الإعلامي، مثل قلة الكوادر وضعف المداخيل وعدم الأمان الوظيفي مقارنة بالأعمال الأخرى في ظل الطفرة النفطية، إضافة إلى غياب المفاهيم الجمعية التي تبعد الصحافة عن أمراض الشحن العاطفي والسجالات الانفعالية في طريق سعيها لاستقطاب الجمهور، لافتاً إلى أن ذلك تم بفضل التنوع والتنافس واستثمار رؤوس الأموال الفردية والجماعية في مجال الإعلام في السعودية بعد سياسة الخصخصة. ويؤكد الذيابي أن ما سبق "مكن الصحافة من لعب أدوار عدة، انطلاقا من البنية الفكرية والمهنية للصناعة الإعلامية السعودية، التي تحققت خلال الحقب الماضية، بحيث استطاعت مواجهة استحقاقات العولمة وفق الخصوصيات المجتمعية، والتصدي للإفرازات السلبية فيه". فيما يرى رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية الزميل سلمان الدوسري أن اتهام الصحافة السعودية بفقدان هيبتها كسلطة رابعة مجاف للحقيقة، ويقول: "الشواهد هي الفاصل بيننا وبين من يطرح هذا الرأي المجافي للحقيقة، وسائل التواصل الاجتماعي جل نقاشاتها الساخنة تأتي من مواضيع نشرت في الصحف، الإذاعات تعتمد عليها أيضا، برامج التلفزيون تُعد اعتماداً على تقارير تنشرتها الصحف، ومع كل هذا، فلا يمكن القول بعدم حاجة صحافتنا لمزيد من الفعالية والشفافية ورفع السقف، بل هي بحاجة لأكثر بكثير.. شرط عدم هدم المعبد على رؤوس من بداخله". إلا أن الأكاديمي والكاتب الصحفي علي سعد الموسى يذهب في اتجاه تحليلي أكثر جرأة بالقول "كي تعرف بالضبط مع أي "حزمة" كونية نحن في مقياس حرية الصحافة العالمي، فإن عليك بكل بساطة أن تطرح رقم ترتيبنا ال163 من المجموع الشامل للدول ال179 في ذات المؤشر، وستكتشف بكل بساطة أننا في المركز الأول لحرية الصحافة ولكن على آخر 15 دولة في ذيل الترتيب! ولك من الخيال المباح أيضا تخمين أسماء هذه الدول"، مؤكدا "لا توجد لدي، بشكل شخصي مع حرية التعبير، تجربة صحفية تستحق الذكر، ولكن لدي تجربة كتابية تمتد لأكثر من عقد من الزمن، ومقياسي الشخصي يقول لي إننا ودعنا منذ 5 سنوات تلك الفترة "الذهبية" المزدهرة لحرية الصحافة، وحين ظننا أننا على وشك الدخول إلى الفترة "الماسية" التالية وجدنا أنفسنا، بكل صراحة، في المربع البرونزي". "هيئة" عاجزة.. ومؤسسات "صامتة" وحول دور هيئة الصحفيين السعوديين التي تضم في مجلس إدارتها عدداً من رؤساء التحرير، أكد الذيابي أن تفعيل هيئة الصحفيين متوقف على تحرك وتفعيل وتفاعلية أعضائها لصياغة دورها وواجباتها والبحث عن مكاسب مهنية للصحفيين، وألا تتوقف على دور رؤساء تحرير الصحف. وقال: "مشكلات الإعلام السعودي ليست متوقفة على دور هيئة الصحفيين فقط، وإنما هناك ما يتعلق بنظام النشر والمطبوعات، وكذلك تحديات صناعة المهنة بشكل عام، علما بأنني ضد الوجود الكبير لرؤساء التحرير فيها حتى أصبح مسماها (نادي رؤساء التحرير)". وأوضح الذيابي، أن مشكلة "الهيئة" أنها لا تزال تفتقد ثقة الصحفيين، وعزوفهم عن الانتساب إليها أضعف من أدائها وحضورها حتى وإن حاولت العمل. وقال: "أنا مع تفعيل دور الهيئة ووجود محام متفرغ للمنافحة عن منتسبيها وحضورها في كل المواقع التي تتطلب حضورها لحماية الصحفيين وممارسة دورها كمؤسسة مدنية، وعدم الصمت إزاء تعرض أي صحفي للظلم أو التجاوز على الصحفيين، ويجب أن تكون يد الصحافة واحدة لحماية المهنة وحصانتها، مع المطالبة بمحاسبة كل من يتجاوز على الصحفيين أو يقلل من أدوارهم أو عملهم، أيا كان موقعه. في حين يرى الموسى أن "الخطورة القصوى في قراءة رقمنا المتذيل جدا في مؤشر حرية الصحافة لا تكمن فقط في مكان الترتيب، بل تكمن في الكارثة المقابلة، وهي ماذا لو قرأ آلاف المسؤولين هذا الرقم؟ وماذا سيفعلون مع الصحافة والمراسلين والكتاب وهم يعرفون أن المسألة بلا رادع أو رقابة أو ضوابط، وأن الصحفي بلا حماية حقيقية من قبل هيئة الصحفيين أو وزارة الإعلام؟". بدوره، ربط مدير ورئيس تحرير قناة "العرب" الإخبارية، والكاتب في صحيفة "الحياة" الزميل جمال خاشقجي مسألة تحرك الهيئة بورود شكاوى إليها من قبل الصحفيين، مستبعداً حدوث ذلك، وقال: "الهيئة لن تتحرك حتى يتقدم لها أحد بشكوى، والغالب أن الصحفي صاحب الشكوى لن يتقدم بشكواه لنفس السبب الذي قلته لك آنفا "لا تسألني عنه فتحرجني". من جانبه، أكد الدوسري أنه في أحيان كثيرة تكون الفرصة سانحة لأن تتصدر هيئة الصحفيين المشهد وتنتزع "آهات الصحفيين" الذين ابتعدوا عنها، لكنها لا تفعل، وتترك الصحفيين بدون ظهر يسندهم، أو مظلة تحميهم من تقلبات الطقس المزعجة، متسائلاً: ألا يفترض أن تكون هذه هي المهمة الأولى للهيئة؟! وحول اتهام الصحفيين لرؤساء التحرير بعدم الاهتمام بالمطالبة بتفعيل دور هيئة الصحفيين التي يشغل عدد منهم مقاعد مجلس إدارتها؛ قال الدوسري: "لن أدعي دور البطولة، غير أنني طالبت مراراً بتنحي رؤساء التحرير عن مقاعد هيئة الصحفيين وترك الفرصة لزملاء آخرين ربما يقدمون دوراً أكثر فاعلية مما يحدث حاليا. أظن أن رئيس تحرير أو اثنين كافيان لأن يوازنا عمل الهيئة في مرحلتها القادمة، بدلاً من أن تتحول لنادي رؤساء التحرير. نعم رئيس التحرير لا يمكن له أن يكون قاضيا وخصما في نفس الوقت. وأقول لزملائي في هيئة الصحفيين: ارحلوا يرحمكم الله". أما الموسى فيضيف "حين قرأت الجزء الأول من هذا التحقيق أمس شعرت بفداحة الترتيب الذي وضعنا في ذيل قائمة الدول صحفيا، لأن المحافظ ومسؤول الأحوال المدنية ومدير عام التربية ومدير الزراعة، يستطيعون دعوة الشرطة للقبض على مراسل يؤدي مهمته!"، مضيفا "مشكلة الحرية المسؤولة المنضبطة في المجتمع السعودي هي مشكلة الرقيب في الإطار العريض للمصطلح.. الرقيب الاجتماعي الذي في الصحافة هو وجه للفضيحة، والرقيب الديني هو وجه للغزو الثقافي، وخذ في ذات الطابور بقية "الرقباء" لتكتشف مثلا أن الكتابة لهذا المجتمع لا تشبه إلا خط "الثعبان" المتعرج، تنعطف يمنة ويسرة كي تمرر فكرة أو تنتقد وضعا قائما، فتشعر أن القلم مشدود من الأعلى مثلما تشعر مع الزمن أنك لا تكتب الفكرة الخالصة، بل تكتب وعيناك إلى الخلف لمراقبة ردة الفعل "الرقابية"، وتستوطنها قبل أن تكتب!". الصحفيون لا يشتكون.. أمين عام هيئة الصحفيين السعوديين الدكتور عبدالله الجحلان أكد أن آلية التعاطي مع المخالفات الصحفية، أو الشكاوى التي تتعلق بالمواد الصحفية المنشورة؛ أقرت من أعلى سلطة في البلد، وخصصت لجنة في وزارة الثقافة والإعلام للنظر في ذلك، وبالتالي فإن الجهات التي تقوم باستدعاء الصحفيين ومساءلتهم في قضايا النشر الصحفي، هي بالأساس مخالفة للنظام، وهنا يأتي دور الجهات الرسمية لحماية نظامها من التجاوز. وأكد الجحلان أن الهيئة كمثيلاتها من النقابات والاتحادات الأخرى في العالم، لا تملك حق إصدار العقوبات على المخالفين، وإنما مهمتها تتمثل في تلقي الشكاوى ومتابعتها مع الجهات المختصة، مشيراً إلى أن كثيرا من الصحفيين لا يقومون بتقديم شكاواهم بشكل رسمي للهيئة، لتتمكن من متابعة ما يتعرضون له خلال تأدية عملهم، وقال: "ربما غياب ثقافة التقاضي بالمجمل لدى المجتمع الإعلامي هو الذي يسهم في مثل هذه التجاوزات". ولفت الجحلان إلى أن المنظمات الصحفية تقدم خدماتها لأعضائها فقط، إلا أن الهيئة لا تقصر خدماتها على الأعضاء فقط، بل تقوم بواجبها تجاه كل صحفي يلجأ إليها، حتى ولو لم يكن عضواً رسمياً في الهيئة... وسيتم مستقبلا تقديم الخدمات للأعضاء الذين يملكون عضوية سارية في الهيئة فقط. بيئة مناسبة للإعلام وأضاف الجحلان "دور الهيئة يقتصر على تلقي الشكاوى من الصحفيين، والقيام بواجبها في متابعة هذه الشكاوى مع وزارة الثقافة والإعلام أو جهات الاختصاص الأخرى، مؤكداً أن الوزارة لا تتوانى عن متابعة تلك القضايا بما يحفظ حقوق الصحفيين، وضمان وجود البيئة المناسبة للعمل الإعلامي الذي يعتبر شريكاً مهما، سواء عبر كشفه لأوجه القصور والخلل لإصلاحها، أو إبرازه للإيجابيات. وطلب الجحلان، في ذات السياق، من الصحفيين والمؤسسات الصحفية أن تساهم أيضا في دعم الهيئة لتتمكن من القيام بمسؤولياتها، وقال: "نأمل من الصحفيين بأن يكونوا شركاء معنا في دعم الهيئة في المجالات الممكنة، سواء بالمشورة أو الرأي أو المشاركة بالأنشطة والبرامج وتحقيق النجاحات التي تساهم في اضطلاع الهيئة بمهامها". تطوير نظام "المطبوعات" وحول الانتقادات الموجهة لنظام المطبوعات والنشر، وما يتضمنه من عقوبات وغرامات مالية؛ أوضح الدكتور الجحلان بأن حال الإعلام اليوم يختلف عن الماضي ويجب التعاطي مع الشأن الإعلامي بشكل مختلف عما سبق، وهذا يتطلب أيضا مواكبة النظام له في بعض بنوده، مستدركا بتأكيده أن هناك مبالغة في الغرامات المالية التي يتم إقرارها في بعض القضايا، ومشيرا إلى أن الهيئة تسعى إلى تقديم مقترحات لتطوير بعض بنود النظام بالتعاون مع وزارة الثقافة والإعلام. وقال: "الوزارة تقوم مشكورة بأخذ رأي الهيئة في كثير من المسائل، ونتمنى أن يتطور هذا التعاون مستقبلاً بشكل أكبر". نظام جديد ل"الهيئة" وحول العراقيل التي تواجهها هيئة الصحفيين وتتسبب في الحد من قوة وفاعلية الهيئة، أكد الجحلان أن الهيئة بحاجة للدعم المالي الذي يساعدها في تنفيذ خططها وبرامجها، لافتا إلى مخاطبتهم للمؤسسات الصحفية للمساهمة في الدعم، إلا أن الاستجابة كانت أقل من المأمول. وكشف أمين عام هيئة الصحفيين عن قرب إعلان النظام الجديد للهيئة، وقال "نعكف حاليا على إصدار نظام الهيئة الجديد والذي سيعالج الكثير من الجوانب بما يعزز أداء مهامها بشكل أفضل ويسهم في خدمة الصحفيين".