المتأمل في واقع الحياة اليومي في ظل الربيع العربي وفي دوله المختلفة يلحظ بكل وضوح صورة قاتمة سوداء لا تدعو للتفاؤل بل توحي بالتشاؤم والحزن لحاضر مأساوي خطير يدل على عقم وفشل سياسي كبير في معالجة قضايانا العربية، أحياء تدمر وقرى تقصف ومدن تمحى من الخارطة.. جماعات عُزَّل تُهجَّر ونساء تغتصب وأطفال يذبحون بدم بارد، صغار يعتقلون وشيوخ يضربون بالعصيِّ، ونساء تُسحل على الأرض، دور عبادة تُحرق، ومنارات علمية ودينية تهدم على الرؤوس، رصاص حي في صدور متظاهرين سلميين، تصعيد طائفي ومعتقلات مفتوحة على مدار الساعة، حقوق تهدر وكرامة إنسانية تنتهك، عقول تجمَّد، وأفواه تكمَّم، أصوات مخنوقة، وحناجر مبحوحة، أشياء مؤلمة لم يقترفها حتى اليهود في حقنا، دول تم تقسيمها وأخرى مهددة بالتقسيم، فعل ورد فعل سياسي غريب، انهيار أخلاقي واقتصادي واجتماعي مع انهيارات سابقة، فساد وفقر وبطالة وجوع وجريمة يتسع مداها في الأفق العربي إن كان هناك أفق، نعوش محمولة إثر نعوش حتى أصبح مشهد النعش الكئيب مألوفاً. ماذا بقي غير ضمير يحتضر على مشهد من العالم المتحضر الذي ينظر باستغراب لواقعٍ عربي مؤسف ومؤلم ومخزٍ ومهين، يتظاهر الغرب بحل مشاكلنا وعلى رأسهم راعية الفوضى الخلاَّقة التي تتجه صوب القاهرة أكبر عاصمة لأعرق حضارة أصبحت بين عشية وضحاها مزاراتٍ لساسة العالم محاولة لحل مشاكلنا، مهزلة مصرية ومسرحية عربية أشبه (بمدرسة المشاغبين وشاهد ما شافش حاجة والزعيم) وفيلم (طباخ الريس). أمر مذل ألا يستطيع فرقاء العرب الوصول لنقطة وفاق في آخر السطر وهم دهاة الساسة وأرباب البلاغة والبيان، مجرد ظاهرة صوتية وفرقعة إعلامية لصراعات سياسية على كراسي الحكم يذهب ضحيتها شعوب مقهورة مغلوبة على أمرها تشكو إلى الله هوانها وضعفها وقلة حيلتها حين قلَّ الناصر وذلَّ المعين. مواقف عربية مخزية، غرائب وعجائب عربية تعرض على أكبر شاشة للعالم، مهرجون شبيحة وبلطجية والأسوأ شبيحة وبلطجية الفكر الذين ينعقون في قنوات مأجورة ويلهثون بخطابات متناقضة في صحف صفراء مدفوعة الثمن تبرر الجريمة وتقدس القاتل وتمجد الخونة وتبث خطاب الكراهية والعنف وتروج للإرهاب وتشعل نار الفتنة وتنحاز لفئة دون فئة وطرف دون آخر، أين مصداقية الإعلام وشفافيته ونزاهته؟ أين الضمير الحر الغائب؟ أين نحن أصحاب الحضارة العربية الإسلامية العظيمة الضاربة في عمق التاريخ؟ وإلى أيِّ أفق مسدود نسير حقاً؟ لقد مات الضمير العربي وأصبح دم العربي أرخص من رغيف خبز في زاوية قرية عربية. حُقَّ للشعوب العربية أن تقيم صلاة الغائب الحاضر على الضمير العربي الذي مات و"شبع موت".