تخطو المملكة خطوات حثيثة باتجاه مجتمع المعرفة، وعلى الرغم من التكلفة الزمنية، والبشرية، والمالية للوصول إلى مجتمع المعرفة، إلا أن خطوات انتقال المجتمع علميا، والربط النسقي بين الاتصال والمعلومات، والتحول من البيانات، إلى المعلومات، مرورا بالمعرفة، وصولا إلى الحكمة، يتطلب رؤية إلى مستقبل هذا الوطن العظيم بنظرة ثاقبة مستبصرة، تسبر أغوار تحديات المستقبل، وتحاول وضع أطر محددة ودقيقة، قابلة للقياس، نحاول أن نورد ُبعدا من أبعادها، خلال الأسطر القادمة. يرتكز هذا الوطن الغالي، على مقدرات عظيمة، ليس كمثل الإنسان في هذا الوطن ما يعادله من أهمية، بيد أن الإنسان هنا في هذا البعد الذي نود طرحه على سبيل الذكر لا الحصر يقبع بين ثلاثة أضلاع أحدثت مثلثا مرتبطا ومتداخلا، يتموضع الأول حول الأمن المائي، ويتخذ الثاني مكانه حول أمن الطاقة، ويرتكز الضلع الثالث في أمن الغذاء. لا شك أن الخطط العلمية في المملكة للدفع في البحث العلمي، لم تتبلور بالشكل المطلوب نوعا، فإن البحث العلمي الذي يهدف على سبيل المثال في إبداء مقترحات لتغيير سياسيات، أو توجيهها، أو اعتماد خدمة ونمط كيفي لتقديمها، أو اختراع منتج يصب في دعم ذلك المجال وتسويقه للشعب بشكل احترافي من أجل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي المعرفي، والذي بدوره بطبيعة الحال سيضمن الاستقرار، والاستمرار، والاستدامة، في تلك المجالات، مراعيا بذلك البيئة المحلية والمجتمع المحلي. تلك المجالات الثلاثة، من ماء، وطاقة، وغذاء، تستلزم منظومة بحثية، ابتداء من خلق المفكر والمخترع، مرورا بإعطاء الأدوات الفكرية والمعرفية، والمختبراتية، علاوة على الأدوات القانونية، من حفظ لحقوق الملكية الفكرية وبراءات الاختراعات، وصولا إلى تسويق المنتجات أو الخدمات، أو حزم الأنظمة والمعايير، على شكل مخرجات قابلة للبيع أو الاستفادة منها بشكل مستدام، يضمن بعد ذلك استمرار تلك العجلة التي تطور البحث والتقدم العلميين. إنه من الممكن الجدال حول أولوية المجالات التي ينبغي التركيز عليها في الاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي، لكن إن وُضعت أهداف يمكن قياسها، لا سيما ببراءات الاختراع، والطرائق، وغيرها من الوسائل التي تعزز الإبداع. إن أهمية تأصيل البحث العلمي في كل القطاعات الحكومية، لا سيما وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، جنبا إلى جنب مع القطاع الخاص كمتلقٍ لتلك الاختراعات والبراءات، وإقامة شركات خاصة بتبني وتوزيع واستثمار الأبحاث العلمية في تلك المجال، ستجني منه المملكة سنوات عدة متقدمة إلى الأمام في عالم يسود فيه العلم والتقدم العلمي. من جانب آخر، يقوم الاتحاد الأوروبي بالعمل على استراتيجية 2020، والتي تهدف إلى معالجة شيخوخة السكان في أوروبا، وكيف يمكن خلق فرص عمل ووظائف من خلال البحث العلمي في المجتمع ومن خلال الابتكار، وتشير تلك الاستراتيجية إلى أن أكثر من ثلاثين نقطة مرتكزة على ثلاثة مبادئ هي: جعل أوروبا من أبرز اللاعبين الدوليين في العلوم على مستوى العالم إزالة العقبات التي تحول دون الابتكار مثل غلاء براءات الاختراع، وتجزئة السوق، وبطء وضع المعايير ونقص المهارات التي تمنع حاليا الأفكار الحصول بسرعة إلى السوق إحداث نوع من الشراكات والابتكار بين المؤسسات الأوروبية والسلطات الوطنية والإقليمية والأعمال. ولعلنا ننتقل هنا إلى الوطن الغالي لنطرح سؤالين: كم عدد الاختراعات الخاصة بمجال الماء أو تلك المتعلقة بأصناف النباتات أو تلك المتعلقة بالأنماط الإلكترونية والطرائق التي تم تسجيلها في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية؟ كيف يتم الاستفادة من مخرجات الملتقيات والمؤتمرات العلمية؟ لا شك أن استراتيجية وطنية للبحث العلمي هي ضرورة وطنية، أن تعد برؤية مستقبلية، مستشرفة احتياج المجتمع، والتطورات التي تطرأ عليه، لا سيما التغيرات الديموجرافية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والمناخية، والمجتمعية. إن كلا من تلك المتغيرات يؤثر في بعضه البعض، ولا شك أن الوصول إلى حد الكفاية في العلم والمعرفة في تلك المجالات الثلاثة ستضمن وجود أمن معرفي فيها، يعزز تقدم المملكة ويراعي المتغيرات المستقبلية. إن البحث العلمي لا يستوجب فقط استراتيجية وطنية تختص بالقطاع الحكومي أو الخاص، إنها ثقافة يجب أن يؤمن بها المجتمع، إن كل عمل يقام على أسس منهجية وقابلة للقياس يمكن تحسينه مستقبلا، ويمكن الوصول إلى التفوق العلمي والإحسان إلى الإنسان وإلى هذا الوطن، وكأن الشاعر يستشف أهمية ذلك عندما أنشد: العلم يبني بيوتا لا عماد لها والجهل يهدم بيت العز والشرف ما أجمل أن نبني أوطانا بالعلم والعمل.