أثار خطاب الرئيس المصري محمد مرسي الموجه للشعب مساء أول من أمس، عاصفة من الغضب في الشارع بسبب اتهامه لشخصيات عامة بدعم الثورة المضادة، وعلى رأسهم النائب العام السابق عبدالمجيد محمود والقاضي علي النمر الذي أكد أنه سيتخذ الإجراءات القانونية والقضائية لمحاسبة مرسي بسبب وصفه له ب"القاضي المزور". في غضون ذلك أعلنت الأحزاب والقوى الإسلامية تنظيم مليونية تحت عنوان" الشرعية خط أحمر" اليوم، مشددة على حماية الثورة مما أسموه "الثورة المضادة"، في حين تعتزم أطراف من تلك القوى الاعتصام في عدد من الميادين الرئيسية حتى بعد غد موعد مظاهرات "تمرد" التي تطالب بسحب الثقة من الرئيس مرسي. من جهتها رفضت جبهة الإنقاذ المعارضة دعوة مرسي إلى الحوار، معلنة تمسكها بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ومطالبة المصريين بالمشاركة في مظاهرات "تمرد" يوم 30 يونيو. أثار خطاب "كشف المحاسبة" الذي قدم من خلاله الرئيس المصري محمد مرسي على مدى 150 دقيقة، في وقت متأخر من مساء أول من أمس"، حصاد عامه الأول في الرئاسة، عاصفة من الغضب داخل صفوف شخصيات بعينها اتهمها مرسي بأنها جزء من الثورة المضادة، وعلى رأسها النائب العام السابق المستشار عبدالمجيد محمود والقاضي المستشار علي النمر، المكلف بالتحقيق في قضية أرض الطيارين المتهم فيها المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق وصاحب مجموعة قنوات "سي بي سي" و"مودرن" محمد الأمين. وأكد النمر، الذي وصفه مرسي، في خطابه بأنه القاضي المزور، أنه سيتخذ الإجراءات القانونية من خلال نادي القضاة لمحاسبة مرسي، على هذه الاتهامات التي أضرت بسمعته وسمعة القضاء المصري. وأضاف أن "مرسي يصفي حساباته معي لأنه فشل في الانتخابات البرلمانية أمام أحد المرشحين عام 2005، ولا علاقة لي بالنتائج، ولم يتم التحقيق معي فيما يتهمني بأنني مزور، ومن المؤسف أن تصدر من رئيس الجمهورية، دون صدور حكم قضائي ضدي، وأنا عضو في الدائرة التي تنظر قضية الطيارين المتهم فيها الفريق شفيق، ولكن ما علاقة هذه القضية بانتخابات فشل فيها مرسي، إن مرسي يريد أن يوحي للناس أن الدائرة ستحكم لصالح الفريق أحمد شفيق، وهذا تدخل في شأن القضاء لم أقبله ولن يقبله نادي القضاة، ولا علاقة لي بالنظام السابق، ومنذ أيام أصدرت حكما من خلال الدائرة لاستمرار حبس الرئيس السابق حسني مبارك، وقد صدمت من هذه الاتهامات وأشعر بالإهانة الشديدة، ولذلك لن أترك حقي وفقا للقانون". بدوره، قال المستشار عبدالمجيد محمود، إن تقرير تقصي الحقائق تمت الإشارة إليه من جانب ممثل النيابة، المستشار مصطفى سليمان، أثناء المرافعة في قضية محاكمة القرن، مضيفاً أن "النيابة والمحكمة لا تعترف بتقرير تقصي الحقائق لأنه ليس له قانون، وأن من يقوم بعمل تقرير أي قضايا كبرى هو قاضي التحقيق المنتدب من وزارة العدل مثل قضية أحداث بورسعيد، وقضية موقعة الجمل حقق فيها قاضي تحقيق، ولا يصح أن يقول رئيس الجمهورية كلام لا يعلمه". وقال عبدالمجيد إن "هناك محكمة موجودة الآن تحاكم في القضية المتهم فيها مبارك، وأرجو من مرسي أن يقدمه للمحكمة وأن تأخذ المحكمة به". وعن الدعوى التي قدمها إلى المحكمة، لحصوله على الصيغة التنفيذية لعودته إلى منصبه، قال عبدالمجيد إن "القضاء لو حكم بعودتي لمنصبي، سأعود غصباً عن الرئيس". من جانبه أكد رئيس اللجنة القانونية الدائمة للدفاع عن رجال القضاء وسيادة القانون المستشار محمد عبدالرازق، أنه لا أحد يملك أن يمنع قاضيا من مشاركة الشعب في تظاهرة، ولكن نزول القاضي للميادين ومشاركته يكونان بصفة شخصية وليس بصفته قاضيا أو عضو نيابة، أو الصفة المؤسسية، وذلك حتى لا يدخل القضاء طرفا في الصراع السياسي. وقال نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد، إنه مندهش من أن يضعه الرئيس على قائمة أولوياته، مضيفاً "لا أملك سوى 40 سطرا أكتبها في الأهرام، ولم أشتم فيها الرئيس أو أسيء إليه أو أهاجمه بشكل شخصي، ورئيس مصر يقول حقائق غير صادقة، ويزعم أنني كنت من أتباع النظام السابق، نعم عملت في ظل النظام السابق، لكنني ملكت شجاعة وقاومت الفساد علنا وكتابة، وفكرت أن أقاضي الرئيس مرسي على حديثه تجاهي، لكن قررت أن أذهب إلى نقابة الصحفيين وأعرض عليها قضيتي وأضع تحت تصرفها كل ما كتبته طوال 50 عاما، كي تعيد لي حقي من الرئيس، الذي يجب أن يعتذر عما ارتكبه في حقي". وقال محمد الأمين، مالك قنوات "سي بي سي"، إنه علم بمنعه من السفر ضمن قائمة أسماء تم إرسالها للمطار، وإنه عندما سأل عن السبب قيل إنها قضية ضرائب، مؤكداً أنه لن يغادر مصر وأنه وكل محاميه الدكتور محمد حمودة لمقاضاة الرئيس مرسي على الاتهامات التي ساقها خلال خطابه بلا دليل. وتضمن خطاب مرسي مجموعة قرارات من بينها تكليف الوزراء والمحافظين بإقالة كل المتسببين في الأزمات التي تعرض لها المواطنون في قطاع الخدمات خلال أسبوع، مع سحب تراخيص كل محطات الوقود التي امتنعت عن استلام المنتج أو توزيعه على المواطنين، وتكليف وزارة التموين باستلام هذه المحطات وإدارتها، فضلا عن تكليف وزير الداخلية بإنشاء وحدة لمكافحة البلطجة التي قال إنها مسؤولة عن كثير من المشكلات. وكان للأزمة السياسية نصيب في قرارات مرسي، حيث أعلن عن لجنة يتم تشكيلها من جميع الأحزاب لوضع مقترحات لتعديلات الدستور، وتشكيل لجنة عليا للمشاركة الوطنية تضم ممثلين لكافة عناصر المجتمع من الأحزاب والأزهر والكنيسة والشباب، وتكليفها بالمصالحة الوطنية في مختلف المجالات وبالتوافق على محاور العمل الوطني خلال الفترة المقبلة. أما آخر القرارات التي أعلن عنها مرسي فتمثلت في إلزام الوزراء والمحافظين بتعيين مساعدين لهم من الشباب تحت أربعين سنة على أن يتم ذلك خلال شهر، وهو ما اعتبره البعض نوعا من مغازلة الشباب الذي قام بالثورة ثم وجد نفسه بعيدا عن إدارة شؤون البلاد بعدها. ويمكن القول إن عاصفة خطاب "كشف محاسبة" مرسي أعادت إلى الأذهان مجموعة من الخطابات التي ألقاها حكام مصر الثلاثة السابقين على مدى ال 60 عاماً الماضية، ومنها خطاب تنحي عبدالناصر، فمن بين عشرات الخطابات الثورية التي ظهر فيها ناصر بصوته الجهور ونظراته الحادة الثاقبة، وثقته في عباراته المنمقة الحماسية، ظهر هذه الليلة في مشهد كئيب فجر الحزن في قلوب المصريين جميعاً على فقدان الأرض والقائد، بصورة جعلت من هذا الخطاب، الذي كتبه محمد حسنين هيكل، الأكثر بقاءً في ذاكرة المصريين. وكذلك خطاب سبتمبر 1981، الذي ألقاه الرئيس الراحل أنور السادات قبل شهر من اغتياله، وتضمن كثيراً من علامات التهديد والوعيد لمعارضيه، وتناوب على كتابة خطب السادات، كل من هيكل وموسى صبري وأنيس منصور وأسامة الباز. وكان خطاب الرئيس السابق حسني مبارك ليلة "موقعة الجمل" آخر ما تبقى من جملة خطبه التي ألقاها على مدى 30 عاماً من حكمه شرح فيه مبارك ما قدمه للبلد ويشير فيه إلى أن الجيل الجديد والثورة أرادوا أن يترك السلطة، ويشدد على أن ابنه جمال خارج الحياة السياسية تماما وأنه سيحاكم قتلة الثوار.